المحيط» وغير ذلك : أن وجه اتصال هذه الآيات بما قبلها أنه لما فتحت على المسلمين أرض قريظة وغنموا أموالهم وكانت أرض النضير قبيل ذلك فيئا للنبي صلىاللهعليهوسلم حسب أزواج رسول الله أن مثله مثل أحد من الرجال إذا وسّع عليهم الرزق توسّعوا فيه هم وعيالهم فلم يكن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام يسألنه توسعة قبل أن يفيء الله عليه من أهل النضير وقبل أن يكون له الخمس من الغنائم ، فلما رأين النبي صلىاللهعليهوسلم جعل لنفسه ولأزواجه أقواتهم من مال الله ورأين وفرة ما أفاء الله عليه من المال حسبن أنه يوسّع في الإنفاق فصار بعضهنّ يستكثرنه من النفقة كما دل عليه قول عمر لحفصة ابنته أمّ المؤمنين : «لا تستكثري النبي ولا تراجعيه في شيء وسليني ما بدا لك». ولكن الله أقام رسوله صلىاللهعليهوسلم مقاما عظيما فلا يتعلق قلبه بمتاع الدنيا إلا بما يقتضيه قوام الحياة وقد كان يقول : «ما لي وللدنيا» وقال : «حبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب». وقد بينت وجه استثناء هذين في رسالة كتبتها في الحكمة الإلهية من رياضة الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه بتقليل الطعام.
وقال عمر : «كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه من خيل ولا ركاب فكانت لرسول الله خالصة ينفق منها على أهله نفقة سنتهم ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة للمسلمين». وقد علمت أن أرض قريظة قسمت على المهاجرين بحكم سعد بن معاذ ، فلعل المهاجرين لما اتسعت أرزاقهم على أزواجهم أمّل أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم أن يكنّ كالمهاجرين فأراد الله أن يعلمهنّ سيرة الصالحات في العيش وغيره. وقد روي أن بعضهن سألنه أشياء من زينة الدنيا فأوحى إلى رسوله بهذه الآيات المتتابعات. وهذا مما يؤذن به وقع هذه الآيات عقب ذكر وقعة قريظة وذكر الأرض التي لم يطئوها وهي أرض بني النضير. وإذ قد كان شأن هذه السيرة أن يشق على غالب الناس وخاصة النساء أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أن ينبئ أزواجه بها ويخيّرهنّ عن السّير عليها تبعا لحاله وبين أن يفارقهنّ. لذا فافتتاح هذه الأحكام بنداء النبي صلىاللهعليهوسلم ب : يا أيها النبي تنبيه على أن ما سيذكر بعد النداء له مزيد اختصاص به وهو غرض تحديد سيرة أزواجه معه سيرة تناسب مرتبة النبوءة ، وتحديد تزوجه وهو الغرض الثاني من الأغراض التي تقدم ذكرها في قوله يا أيها النبي (اتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ١].
والأزواج المعنيات في هذه الآية هن أزواجه التسع اللاتي توفّي عليهن. وهن : عائشة بنت أبي بكر الصديق ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأم سلمة بنت أمية المخزومية ، وجويرية بنت الحارث الخزاعية ، وميمونة بنت الحارث