[الأحزاب : ٣٢] يثير في نفوس المسلمات أن يسألن : أهنّ مأجورات على ما يعملن من الحسنات ، وأ هنّ مأمورات بمثل ما أمرت به أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، أم تلك خصائص لنساء النبي عليه الصلاة والسلام ، فكان في هذه الآية ما هو جواب لهذا السؤال على عادة القرآن فيما إذا ذكر مأمورات يعقبها بالتذكير بحال أمثالها أو بحال أضدادها. ويجوز أن تكون استئنافا ابتدائيا ورد بمناسبة ما ذكر من فضائل أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم.
روى ابن جرير والواحدي عن قتادة : أن نساء دخلن على أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم فقلن : قد ذكركنّ الله في القرآن ولم يذكرنا بشيء ، ولو كان فينا خير لذكرنا فأنزل الله هذه الآية.
وروى النسائي وأحمد : أن أم سلمة قالت للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى الترمذي والطبراني : «أن أم عمارة الأنصارية أتت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : ما أرى النساء يذكرن بشيء» فنزلت هذه الآية.
وقال الواحدي : «قال مقاتل : بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء النبي فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قيل : لا ، فأتت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار. قال : ومم ذلك؟ قالت : لأنهن لا يذكرن بالخير كما يذكر الرجال فأنزل الله هذه الآية».
فالمقصود من أصحاب هذه الأوصاف المذكورة النساء ، وأما ذكر الرجال فللإشارة إلى أن الصنفين في هذه الشرائع سواء ليعلموا أن الشريعة لا تختص بالرجال لا كما كان معظم شريعة التوراة خاصا بالرجال إلا الأحكام التي لا تتصور في غير النساء ، فشريعة الإسلام بعكس ذلك الأصل في شرائعها أن تعم الرجال والنساء إلا ما نصّ على تخصيصه بأحد الصنفين ، ولعل بهذه الآية وأمثالها تقرر أصل التسوية فأغنى عن التنبيه عليه في معظم أقوال القرآن والسنة ، ولعل هذا هو وجه تعداد الصفات المذكورة في هذه الآية لئلا يتوهم التسوية في خصوص صفة واحدة.
وسلك مسلك الإطناب في تعداد الأوصاف لأن المقام لزيادة البيان لاختلاف أفهام الناس في ذلك ، على أن في هذا التعداد إيماء إلى أصول التشريع كما سنبينه في آخر تفسير هذه الآية.
وبهذه الآثار يظهر اتصال هذه الآيات بالتي قبلها. وبه يظهر وجه تأكيد هذا الخبر