أحرص على صلاحه وأنه أشار عليه بإمساك زوجه لصلاحها به ، وأما صلة (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) فهي توطئة للثانية.
واعلم أن المأثور الصحيح في هذه الحادثة : أن زيد بن حارثة بقيت عنده زينب سنين فلم تلد له ، فكان إذا جرى بينه وبينها ما يجري بين الزوجين تارة من خلاف أدلّت عليه بسؤددها وغضّت منه بولايته فلما تكرّر ذلك عزم على أن يطلقها وجاء يعلم رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بعزمه على ذلك لأنه تزوجها من عنده.
وروي عن علي زين العابدين : أن الله أوحى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أنه سينكح زينب بنت جحش. وعن الزهري : نزل جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم يعلمه أن الله زوّجه زينب بنت جحش وذلك هو ما في نفسه. وذكر القرطبي أنه مختار بكر بن العلاء القشيري (١) وأبي بكر بن العربي.
والظاهر عندي : أن ذلك كان في الرؤيا كما أري أنه قال لعائشة : «أتاني بك الملك في المنام في سرقة من حرير يقول لي : هذه امرأتك فأكشف فإذا هي أنت فأقول : إن يكن هذا من عند الله يمضه».
فقول النبي صلىاللهعليهوسلم لزيد : «أمسك عليك زوجك» توفية بحقّ النصيحة وهو أمر نصح وإشارة بخير لا أمر تشريع لأن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا المقام متصرف بحق الولاء والصحبة لا بصفة التشريع والرسالة ، وأداء هذه الأمانة لا يتأكد أنه كان يعلم أن زينب صائرة زوجا له لأن علم النبي بما سيكون لا يقتضي إجراءه إرشاده أو تشريعه بخلاف علمه أو ظنه فإن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يعلم أن أبا جهل مثلا لا يؤمن ولم يمنعه ذلك من أن يبلغه الرسالة ويعاوده الدعوة ، ولأن رغبته في حصول شيء لا تقتضي إجراء أمره على حسب رغبته إن كانت رغبته تخالف ما يحمل الناس عليه ، كما كان يرغب أن يقوم أحد بقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح قبل أن يسمع منه إعلانه بالتوبة من ارتداده حين جاء به عثمان بن عفان يوم الفتح تائبا.
ولذلك كله لا يعد تصميم زيد على طلاق زينب عصيانا للنبي صلىاللهعليهوسلم لأن أمره في ذلك كان على وجه التوفيق بينه وبين زوجه. ولا يلزم أحدا المصير إلى إشارة المشير كما اقتضاه حديث بريرة مع زوجها مغيث إذ قال لها : «لو راجعته؟ فقالت : يا رسول الله
__________________
(١) هو من المالكية ، توفي سنة ٣٤٤. ترجمه في «المدارك».