علمت أنه وقعت منه موقع الاستحسان وأن زيدا علم ذلك وأنه أحب أن يطلقها ليؤثر بها مولاه النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأنه لما أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك قال له : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) (وهو يودّ طلاقها في قلبه ويعلم أنها صائرة زوجا له).
وعلى تفاوت أسانيده في الوهن ألقي إلى الناس في القصة فانتقل غثه وسمينه ، وتحمّل خفه ورزينه ، فأخذ منه كلّ ما وسعه فهمه ودينه ، ولو كان كله واقعا لما كان فيه مغمز في مقام النبوءة.
فأما رؤيته زينب في بيت زيد إن كانت عن عمد فذلك أنه استأذن في بيت زيد ، فإن الاستئذان واجب فلا شك أنه رأى وجهها وأعجبته ولا أحسب ذلك لأن النساء لم يكنّ يسترن وجوههن قال تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) [النور : ٣١] (أي الوجه والكفين) وزيد كان من أشد الناس اتصالا بالنبيء ، وزينب كانت ابنة عمته وزوج مولاه ومتبنّاه ، فكانت مختلطة بأهله ، وهو الذي زوجها زيدا ، فلا يصح أن يكون ما رآها إلا حين جاء بيت زيد ، وإن كانت الريح رفعت الستر فرأى من محاسنها وزينتها ما لم يكن يراه من قبل ، فكذلك لا عجب فيه لأن رؤية الفجأة لا مؤاخذة عليها ، وحصول الاستحسان عقب النظر الذي ليس بحرام أمر قهري لا يملك الإنسان صرفه عن نفسه ، وهل استحسان ذات المرأة إلا كاستحسان الرياض والجنّات والزهور والخيل ونحو ذلك مما سماه الله زينة إذا لم يتبعه النظار نظرة.
وأما ما خطر في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم من مودة تزوجها فإن وقع فما هو بخطب جليل لأنه خاطر لا يملك المرء صرفه عن نفسه وقد علمت أن قوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ) ليس بلوم ، وأن قوله : (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) ليس فيه لوم ولا توبيخ على عدم خشية الله ولكنه تأكيد لعدم الاكتراث بخشية الناس.
وإنما تظهر مجالات النفوس في ميادين الفتوة بمقدار مصابرتها على الكمال في مقاومة ما ينشأ عن تلك المرائي من ضعف في النفوس وخور العزائم وكفاك دليلا على تمكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من هذا المقام وهو أفضل من ترسخ قدمه في أمثاله أنه لم يزل يراجع زيدا في إمساك زوجه مشيرا عليه بما فيه خير له وزيد يرى ذلك إشارة ونصحا لا أمرا وشرعا.
ولو صح أن زيدا علم مودة النبي صلىاللهعليهوسلم تزوج زينب فطلقها زيد لذلك دون أمر من النبي عليه الصلاة والسلام ولا التماس لما كان عجبا فإنهم كانوا يؤثرون النبيصلىاللهعليهوسلم على