فمقام النبي صلىاللهعليهوسلم في الأمة مقام الطبيب الناصح في بيمارستان يحوي أصنافا من المرضى إذا رأى طعاما يجلب لما لا يصلح ببعض مرضاه أن ينهى عن إدخاله خشية أن يتناوله من المرضى من لا يصلح ذلك بمرضه ويزيد في علته أو يفضي إلى انتكاسه.
وليس في قوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ) عتاب ولا لوم ، ولكنه تذكير بما حصل له من توقيه قالة المنافقين. وحمله كثير من المفسرين على معنى العتاب وليس من سياق الكلام ما يقتضيه فأحسبهم مخطئين فيه ، ولكنه تشجيع له وتحقير لأعداء الدين وتعليم له بأن يمضي في سبيله ويتناول ما أباح الله له ولرسله من تناول ما هو مباح من مرغوباتهم ومحباتهم إذا لم يصدهم شيء من ذلك عن طاعة ربهم كما قال تعالى : (ما كانَ عَلَى) النبي (مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً* الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ) رسالات (اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) [الأحزاب : ٣٨ ، ٣٩] ، وأن عليه أن يعرض عن قول المنافقين ، وعلى نحو قوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] ، فهذا جوهر ما أشارت إليه الآية ، وليس فيها ما يشير إلى غير ذلك.
وقد رويت في هذه القصة أخبار مخلوطة ، فإياك أن تتسرب إلى نفسك منها أغلوطة ، فلا تصغ ذهنك إلى ما ألصقه أهل القصص بهذه الآية من تبسيط في حال النبيصلىاللهعليهوسلم حين أمر زيدا بإمساك زوجه ، فإن ذلك من مختلقات القصاصين ؛ فإما أن يكون ذلك اختلافا من القصاص لتزيين القصة ، وإما أن يكون كله أو بعضه من أراجيف المنافقين وبهتانهم فتلقفه القصاص وهو الذي نجزم به. ومما يدل لذلك أنك لا تجد فيما يؤثر من أقوال السلف في تفسير هذه الآية أثرا مسندا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أو إلى زيد أو إلى زينب أو إلى أحد من الصحابة رجالهم ونسائهم ، ولكنها كلها قصص وأخبار وقيل وقال.
ولسوء فهم الآية كبر أمرها على بعض المسلمين واستفزّت كثيرا من الملاحدة وأعداء الإسلام من أهل الكتاب. وقد تصدى أبو بكر بن العربي في «الأحكام» لوهن أسانيدها وكذلك عياض في «الشفاء».
والآن نريد أن ننقل مجرى الكلام إلى التسليم بوقوع ما روي من الأخبار الواهية السند لكي لا نترك في هذه الآية مهواة لأحد. ومجموع القصة من ذلك : أن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء بيت زيد يسأل عنه فرأى زينب متفضلة ، وقيل رفعت الريح ستار البيت فرأى النبي عليه الصلاة والسلام زينب فجأة على غير قصد فأعجبه حسنها وسبّح لله ، وأن زينب