وفيه وهن.
وجملة (وَتَخْشَى النَّاسَ) عطف على جملة (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) ، أي تخفي ما سيبديه الله وتخشى الناس من إبدائه.
والخشية هنا كراهية ما يرجف به المنافقون ، والكراهة من ضروب الخشية إذ الخشية جنس مقول على أفراده بالتشكيك فليست هي خشية خوف ، إذ النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن يخاف أحدا من ظهور تزوجه بزينب ، ولم تكن قد ظهرت أراجيف المنافقين بعد ، ولكن النبيصلىاللهعليهوسلم كان يتوسم من خبثهم وسوء طويتهم ما يبعثهم على القالة في الناس لفتنة الأمة ، فكان يعلم ما سيقولونه ويمتعض منه ، كما كان منهم في قضية الإفك ، ولم تكن خشية تبلغ به مبلغ صرفه عما يرغبه بدليل أنه لم يتردد في تزوج زينب بعد طلاق زيد ، ولكنها استشعار في النفس وتقدير لما سيرجفه المنافقون.
والتعريف في (النَّاسَ) للعهد ، أي تخشى المنافقين ، أي يؤذوك بأقوالهم.
وجملة (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) معترضة لمناسبة جريان ذكر خشية الناس ، والواو اعتراضية وليست واو الحال ، فمعنى الآية معنى قوله تعالى : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) [المائدة : ٤٤]. وحملها على معنى الحال هو الذي حمل كثيرا من المفسرين على جعل الكلام عتابا للنبي صلىاللهعليهوسلم.
و (أَحَقُ) اسم تفضيل مسلوب المفاضلة فهو بمعنى حقيق ، إذ ليس في الكلام السابق ما يفيد وقوع إيثار خشية الناس على خشية الله ، ولا ما يفيد تعارضا بين الخشيتين حتى يحتاج إلى ترجيح خشية الله على خشية الناس ، والمعنى : والله حقيق بأن تخشاه.
وليس في هذا التركيب ما يفيد أنه قدم خشية الناس على خشية الله ، لأن الله لم يكلفه شيئا فعمل بخلافه.
وبهذا تعلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم ما فعل إلا ما يرضي الله ، وقد قام بعمل الصاحب الناصح حين أمر زيدا بإمساك زوجه وانطوى على علم صالح حين خشي ما سيفترصه المنافقون من القالة إذا تزوج زينب خفية أن يكون قولهم فتنة لضعفاء الإيمان كقوله للرجلين اللذين رأياه في الليل مع زينب فأسرعا خطاهما فقال : «على رسلكما إنما هي زينب. فكبر ذلك عليهما وقالا : سبحان الله يا رسول الله. فقال : «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما».