التمثيل بداود في أصل انصراف رغبته إلى امرأة لم تكن حلالا له فصارت حلالا له ، وليس محلّ التمثيل فيما حفّ بقصة داود من لوم الله إياه على ذلك كما قال : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) [ص : ٢٤] الآية لأن ذلك منتف في قصة تزوّج زينب.
وجملة (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) معترضة بين الموصول والصفة إن كانت جملة (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ) صفة ل (الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) ، أو تذييل مثل جملة (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [الأحزاب : ٣٧] إن كانت جملة (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ) مستأنفة كما سيأتي ، والقول فيه مثل نظيره المتقدم آنفا.
والقدر بفتح الدال : إيجاد الأشياء على صفة مقصودة وهو مشتق من القدر بسكون الدال وهو الكمية المحددة المضبوطة ، وتقدم في قوله تعالى : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) في سورة الرعد [١٧] وقوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) في سورة الحجر [٢١]. ولما كان من لوازم هذا المعنى أن يكون مضبوطا محكما كثرت الكناية بالقدر عن الإتقان والصدور عن العلم. ومنه حديث : «كل شيء بقضاء وقدر» ، أي من الله.
واصطلح علماء الكلام : أن القدر اسم للإرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه ، ويطلقونه على الشيء الذي تعلق به القدر وهو المقدور كما في هذه الآية ، فالمعنى : وكان أمر الله مقدّرا على حكمة أرادها الله تعالى من ذلك الأمر ، فالله لما أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بتزوج زينب التي فارقها زيد كان عالما بأن ذلك لائق برسوله عليه الصلاة والسلام كما قدر لأسلافه من الأنبياء.
وفي قوله : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ) جيء بالموصول دون اسم الإشارة أو الضمير لما في هذه الصلة من إيماء إلى انتفاء الحرج عن الأنبياء في تناول المباح بأن الله أراد منهم تبليغ الرسالة وخشية الله بتجنب ما نهى عنه ولم يكلفهم إشقاق نفوسهم بترك الطيبات التي يريدونها ، ولا حجب وجدانهم عن إدراك الأشياء على ما هي عليه من حسن الحسن وقبح القبيح ، ولا عن انصراف الرغبة إلى تناول ما حسن لديهم إذا كان ذلك في حدود الإباحة ، ولا كلّفهم مراعاة ميول الناس ومصطلحاتهم وعوائدهم الراجعة إلى الحيدة بالأمور عن مناهجها فإن في تناولهم رغباتهم المباحة عونا لهم على النشاط في تبليغ رسالات الله ، ولذلك عقب بقوله : (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) ، أي لا يخشون أحدا خشية تقتضي فعل شيء أو تركه.
ثم إن جملة (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ) إلى آخرها يجوز أن تكون في موضع الصفة للذين