على ما درج عليه ابن مالك في الخلاصة وحققه ابن هشام في «شرحه على قطر الندى» ، فيجوز أن يكون التقدير : من بعد من ذكرن على الوجهين في معنى البعدية فيقدر : من غير من ذكرن ، أو يقدر من بعد من ذكرن ، فتنشأ احتمالات أن يكون المراد أصناف من ذكرن أو أعداد من ذكرن (وكن تسعا) ، أو من اخترتهن.
ويجوز أن يقدر المضاف إليه وقتا ، أي بعد اليوم أو الساعة ، أي الوقت الذي نزلت فيه الآية فيكون نسخا لقوله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلى قوله : (خالِصَةً لَكَ) [الأحزاب : ٥٠].
وأما ما رواه الترمذي عن عائشة أنها قالت : «ما مات رسول الله حتى أحل الله له النساء». وقال حديث حسن. (وهو مقتض أن هذه الآية منسوخة) فهو يقتضي أن ناسخها من السنة لا من القرآن لأن قولها : ما مات ، يؤذن بأن ذلك كان آخر حياته فلا تكون هذه الآية التي نزلت مع سورتها قبل وفاته صلىاللهعليهوسلم بخمس سنين ناسخة للإباحة التي عنتها عائشة ولذلك فالإباحة إباحة تكريم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. وروى الطحاوي مثل حديث عائشة عن أمّ سلمة.
و (النِّساءُ) إذا أطلق في مثل هذا المقام غلب في معنى الأزواج ، أي الحرائر دون الإماء كما قال النابغة :
حذارا على أن لا تنال مقادتي |
|
ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا |
أي لا تحل لك الأزواج من بعد من ذكرن.
وقوله : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَ) أصله : تتبدل بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا ، يقال: بدّل وتبدّل بمعنى واحد ، ومادة البدل تقتضي شيئين : يعطي أحدهما عوضا عن أخذ الآخر ، فالتبديل يتعدى إلى الشيء المأخوذ بنفسه وإلى الشيء المعطى بالباء أو بحرف (مِنْ) ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) في سورة البقرة [١٠٨].
والمعنى : أن من حصلت في عصمتك من الأصناف المذكورة لا يحلّ لك أن تطلقها ، فكنى بالتبدل عن الطلاق لأنه لازمه في العرف الغالب لأن المرء لا يطلق إلا وهو يعتاض عن المطلقة امرأة أخرى ، وهذه الكناية متعينة هنا لأنه لو أريد صريح التبدل لخالف آخر الآية أولها وسابقتها ، فإن الرسول صلىاللهعليهوسلم أحلت له الزيادة على النساء اللاتي