الاختلالات المنذرة بدنو الساعة مثل تكوير الشمس وانكدار النجوم ودكّ الجبال.
والذي بيّن هذا المعنى قول حذيفة : «حدثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة ، وحدثنا عن رفعها فقال : ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت (١) ، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل (٢) كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال : إن في بني فلان رجلا أمينا ، ويقال للرجال : ما أعقله وما أظرفه وما أجلده ، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» أي من أمانة لأن الإيمان من الأمانة لأنه عهد الله.
ومعنى عرض هذه الأمانة على السماوات والأرض والجبال يندرج في معنى تفسير الأمانة بالعقل ، لأن الأمانة بهذا المعنى من الأخلاق التي يجمعها العقل ويصرّفها ، وحينئذ فتخصيصها بالذكر للتنبيه على أهميتها في أخلاق العقل.
والقول في حمل معنى الأمانة على خلافة الله تعالى في الأرض مثل القول في العقل لأن تلك الخلافة ما هيّأ الإنسان لها إلا العقل كما أشار إليه قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] ثم قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١] فالخلافة في الأرض هي القيام بحفظ عمرانها ووضع الموجودات فيها في مواضعها ، واستعمالها فيما استعدّت إليه غرائزها.
وبقية الأمور التي فسر بها بعض المفسرين الأمانة يعتبر تفسيرها من قبيل ذكر الأمثلة الجزئية للمعاني الكلية.
والمتبادر من هذه المحامل أن يكون المراد بالأمانة حقيقتها المعلومة وهي الحفاظ على ما عهد به ورعيه والحذار من الإخلال به سهوا أو تقصيرا فيسمى تفريطا وإضاعة ، أو عمدا فيسمى خيانة وخيسا لأن هذا المحمل هو المناسب لورود هذه الآية في ختام السورة التي ابتدئت بوصف خيانة المنافقين واليهود وإخلالهم بالعهود وتلونهم مع النبيصلىاللهعليهوسلم قال
__________________
(١) الوكت : الشية في الشيء من غير لونه.
(٢) المجل : نفاخة في الجلد مرتفعة يكون ما تحتها فارغا مثل ما يقع في أكف العملة بالفئوس من ارتفاعات في الجلد.