تعالى : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) [الأحزاب : ١٥] وقال : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٢٣]. وهذا المحمل يتضمن أيضا أقرب المحامل بعده وهو أن يكون هو العقل لأن قبول الأخلاق فرع عنه.
وجملة (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) محلها اعتراض بين جملة (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) والمتعلق بفعلها وهو (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) [الأحزاب : ٧٣] إلخ. ومعناها استئناف بياني لأن السامع خبر أن الإنسان تحمل الأمانة يترقب معرفة ما كان من حسن قيام الإنسان بما حمّله وتحمّله وليست الجملة تعليليه لأن تحمل الأمانة لم يكن باختيار الإنسان فكيف يعلل بأن حمله الأمانة من أجل ظلمه وجهله.
فمعنى (كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) أنه قصّر في الوفاء بحق ما تحمله تقصيرا : بعضه عن عمد وهو المعبر عنه بوصف ظلوم ، وبعضه عن تفريط في الأخذ بأسباب الوفاء وهو المعبر عنه بكونه جهولا ، فظلوم مبالغة في الظلم وكذلك جهول مبالغة في الجهل.
والظلم : الاعتداء على حق الغير وأريد به هنا الاعتداء على حق الله الملتزم له بتحمل الأمانة ، وهو حق الوفاء بالأمانة.
والجهل : انتفاء العلم بما يتعين علمه ، والمراد به هنا انتفاء علم الإنسان بمواقع الصواب فيما تحمل به ، فقوله : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) مؤذن بكلام محذوف يدل هو عليه إذ التقدير : وحملها الإنسان فلم يف بها إنه كان ظلوما جهولا ، فكأنه قيل : فكان ظلوما جهولا ، أي ظلوما ، أي في عدم الوفاء بالأمانة لأنه إجحاف بصاحب الحق في الأمانة أيّا كان ، وجهولا في عدم تقديره قدر إضاعة الأمانة من المؤاخذة المتفاوتة المراتب في التبعة بها ، ولو لا هذا التقدير لم يلتئم الكلام لأن الإنسان لم يحمل الأمانة باختياره بل فطر على تحملها.
ويجوز أن يراد (ظَلُوماً جَهُولاً) في فطرته ، أي في طبع الظلم ، والجهل فهو معرض لهما ما لم يعصمه وازع الدين ، فكان من ظلمه وجهله أن أضاع كثير من الناس الأمانة التي حملها.
ولك أن تجعل ضمير (إِنَّهُ) عائدا على الإنسان وتجعل عمومه مخصوصا بالإنسان الكافر تخصيصا بالعقل لظهور أن الظلوم الجهول هو الكافر.
أو تجعل في ضمير (إِنَّهُ) استخداما بأن يعود إلى الإنسان مرادا به الكافر وقد أطلق