فِتْنَةً). ولو لا أن كلمة (فِتْنَةً) منصوبة على المفعول به لفعل (جَعَلْنا). لكان حق (لِيَسْتَيْقِنَ) أن يعطف على (فِتْنَةً) ولكنه جاء في نظم الكلام متعلقا بفعل : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً).
ويجوز أن يكون (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) متعلقا بفعل (جَعَلْنا) وب (فِتْنَةً) ، على وجه التنازع فيه ، أي ما جعلنا عدتهم للذين كفروا إلّا فتنة لهم إذ لم يحصل لهم من ذكرها إلّا فساد التأويل ، وتلك العدة مجعولة لفوائد أخرى لغير الذين كفروا الذين يفوضون معرفة ذلك إلى علم الله وإلى تدبر مفيد.
والاستيقان : قوة اليقين ، فالسين والتاء فيه للمبالغة. والمعنى : ليستيقنوا صدق القرآن حيث يجدون هذا العدد مصدقا لما في كتبهم.
والمراد ب (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) اليهود حين يبلغهم ما في القرآن من مثل ما في كتبهم أو أخبارهم. وكان اليهود يترددون على مكة في التجارة ويتردد عليهم أهل مكة للميرة في خيبر وقريظة ويثرب فيسأل بعضهم بعضا عما يقوله محمد صلىاللهعليهوسلم ويودّ المشركون لو يجدون عند اليهود ما يكذبون به أخبار القرآن ولكن ذلك لم يجدوه ولو وجدوه لكان أيسر ما يطعنون به في القرآن.
والاستيقان من شأنه أن يعقبه الإيمان إذا صادف عقلا بريئا من عوارض الكفر كما وقع لعبد الله بن سلام وقد لا يعقبه الإيمان لمكابرة أو حسد أو إشفاق من فوات جاه أو مال كما كان شأن كثير من اليهود الذي قال الله فيهم (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٤٦] ولذلك اقتصرت الآية على حصول الاستيقان لهم.
روى الترمذي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال : قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : هل يعلم نبيئكم عدد خزنة النار؟ ، قالوا : لا ندري حتى نسأل نبيئنا. فجاء رجل إلى النبي فقال : يا محمد غلب أصحابكم اليوم ، قال : وبم غلبوا قال : سألهم يهود : هل يعلم نبيئكم عدد خزنة النار ، قال : فما قالوا؟ قال : قالوا لا ندري حتى نسأل نبيئنا ، قال : أفغلب قوم سئلوا عما لا يعلمون؟ فقالوا : لا نعلم حتى نسأل نبيئنا إلى أن قال جابر : فلما جاءوا قالوا : يا أبا القاسم كم عدد خزنة جهنم؟ قال. هكذا وهكذا في مرة عشرة وفي مرة عشرة وفي مرة تسع (بإشارة الأصابع) قالوا : نعم إلخ. وليس في هذا ما يلجئ إلى اعتبار هذه الآية نازلة بالمدينة كما روي عن قتادة لأن المراجعة بين