ترقوة شيئا من الثقل لا يناسب أفصح كلام ، وهذا مثل ما جاء في قوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) في سورة التحريم [٤].
ومعنى (بَلَغَتِ التَّراقِيَ) : أن الروح بلغت الحنجرة حيث تخرج الأنفاس الأخيرة فلا يسمع صوتها إلّا في جهة الترقوة وهي آخر حالات الاحتضار ، ومثله قوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) الآية [الواقعة : ٨٣].
واللام في (التَّراقِيَ) مثل اللام في المساق فيقال : هي عوض عن المضاف إليه ، أي بلغت روحه تراقيه ، أي الإنسان.
ومعنى (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) وقال قائل : من يرقي هذا رقيات لشفائه؟ أي سأل أهل المريض عن وجدان أحد يرقي ، وذلك عند توقع اشتداد المرض به والبحث عن عارف برقية المريض عادة عربية ورد ذكرها في حديث السريّة الذين أتوا على حيّ من أحياء العرب إذ لدغ سيد ذلك الحي فعرض لهم رجل من أهل الحي ، فقال : هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغا أو سليما. رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس في الرقيا بفاتحة الكتاب.
والرقيا بالقصر ، ويقال بهاء تأنيث : هي كلام خاص معتقد نفعه يقوله قائل عند المريض واضعا يده في وقت القراءة على موضع الوجع من المريض أو على رأس المريض ، أو يكتبه الكاتب في خرقة ، أو ورقة وتعلق على المريض ، وكانت من خصائص التطبب يزعمون أنها تشفي من صرع الجنون ومن ضر السموم ومن الحمّى.
ويختص بمعرفتها ناس يزعمون أنهم يتلقونها من عارفين فلذلك سمّوا الراقي ونحوه عرّافا ، قال رؤبة بن العجاج :
بذلت لعرّاف اليمامة حكمه |
|
وعرّاف نجد إن هما شفياني |
فما تركا من عوذة يعرفانها |
|
ولا رقية بها رقياني |
وقال النابغة يذكر حالة من لدغته أفعى :
تناذرها الراقون من سوء سمعها |
|
تطلقه طورا وطورا تراجع |
وكان الراقي ينفث على المرقيّ ويتفل ، وأشار إليه الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين بقوله : «ثم إنه طمس المكتوب على غفلة ، وتفعل عليه مائة تفلة».