فالقصر المستفاد من (إِنَّما) قصر قلب مبني على تنزيل المطعمين منزلة من يظن أن من أطعمهم يمنّ عليهم ويريد منهم الجزاء والشكر بناء على المتعارف عندهم في الجاهلية. والمراد بالجزاء : ما هو عوض عن العطية من خدمة وإعانة ، وبالشكور : ذكرهم بالمزية.
والشكور : مصدر بوزن الفعول كالقعود والجلوس ، وإنما اعتبر بوزن الفعول الذي هو مصدر فعل اللازم لأن فعل الشكر لا يتعدى للمشكور بنفسه غالبا بل باللام يقال : شكرت لك قال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي) [البقرة : ١٥٢].
وأما قوله : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) فهو مقول لقول يقولونه في نفوسهم أو ينطق به بعضهم مع بعض وهو حال من ضمير (يَخافُونَ) [الإنسان : ٧] أي يخافون ذلك اليوم في نفوسهم قائلين : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) ، فحكي وقولهم : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) وقولهم : (إِنَّا نَخافُ) إلخ. على طريقة اللف والنشر المعكوس والداعي إلى عكس النشر مراعاة حسن تنسيق النظم ليكون الانتقال من ذكر الإطعام إلى ما يقولونه للمطعمين ، والانتقال من ذكر خوف يوم الحساب إلى بشارتهم بوقاية الله إياهم من شر ذلك اليوم وما يلقونه فيه من النضرة والسرور والنعيم.
فيجوز أن يكون (مِنْ رَبِّنا) ظرفا مستقرا وحرف (مِنْ) ابتدائية وهو حال من (يَوْماً) قدم عليه ، أي نخاف يوما عبوسا قمطريرا حال كونه من أيّام ربنا ، أي من أيام تصاريفه.
ويجوز أن تكون (مِنْ) تجريدية كقولك : لي من فلان صديق حميم. ويكون (يَوْماً) منصوبا على الظرفية وتنوينه للتعظيم ، أي نخافه في يوم شديد.
و (عَبُوساً) : منصوبا على المفعول لفعل (نَخافُ) ، أي نخاف غضبان شديد الغضب هو ربنا ، فيكون في التجريد تقوية للخوف إذ هو كخوف من شيئين (وتلك نكتة التجريد) ، أو يكون (عَبُوساً) حالا (مِنْ رَبِّنا).
ويجوز أن تجعل (مِنْ) لتعدية فعل (نَخافُ) كما عدي في قوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) [البقرة : ١٨٢]. وينتصب (يَوْماً) على المفعول به لفعل (نَخافُ) فصار لفعل (نَخافُ) معمولان. و (عَبُوساً) صفة ل (يَوْماً) ، والمعنى : نخاف عذاب يوم هذه صفته ، ففيه تأكيد الخوف بتكرير متعلّقه ومرجع التكرير إلى كونه خوف الله لأن اليوم يوم عدل الله وحكمه.