إمام هذه الصنعة (١) ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان والقيام بعلوم الحديث. نشأ ببغداد وقرأ القرآن بالروايات ، وقرأ الفقه على القاضي أبي الطيب الطبري ، وعلق عنه شيئا من الخلاف ، ثم إنه اشتغل بسماع الحديث من الشيوخ ببغداد ، ثم رحل إلى البصرة.
سمع سنن أبي داود من القاضي أبي عمر الهاشمي ، وتوجه إلى خراسان فسمع بها من أصحاب الأصم ، ثم إنه خرج إلى الشام حاجّا في سنة خمس وأربعين وأربعمائة ، وسمع بدمشق وصور ، وحج تلك السنة ، وقرأ صحيح البخاري في خمسة أيام بمكة على كريمة المروزية.
ورجع إلى بغداد وصار له قرب من الوزير أبي القاسم بن المسلمة ، فلما وقعت فتنة البساسيري ببغداد في سنة خمسين وأربعمائة وقبض على الوزير ، استتر الخطيب وخرج إلى الشام ، وكان يتردد ما بين صور ودمشق ، ثم عاد إلى بغداد في آخر عمره.
سمع ببغداد أبا الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وأبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت وأبا عمر عبد الواحد بن عبد الله بن مهدي ، وبالبصرة القاضي أبا عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، وبنيسابور القاضي أبا بكر أحمد الحرشي ، وبأصبهان أبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ ، وبالري أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن فضالة ، وبهمذان أبا منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز ، وبدمشق أبا الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر ، وبصور أبا الفرج عبد الوهاب بن الحسين ابن الغزال ، وبحلب أبا الفتح أحمد بن علي بن محمد النحاس.
ومن شعره :
الشمس تشبهه والبدر يحكيه |
|
والدر يضحك والمرجان من فيه |
ومن سرى وظلام الليل معتكر (٢) |
|
فوجهه عن ضياء البدر يغنيه (٣) |
زوى له الحسن حتى حاز أحسنه |
|
لنفسه وبقي للناس باقيه |
فالعقل يعجز عن تحديد غايته |
|
والوهم يقصر عن فحوى معانيه |
يدعو القلوب فتأتيه مسارعة |
|
مطيعة الأمر منه ليس تعصيه |
__________________
(١) أى كتابة التاريخ.
(٢) في الأصل : «معتدل».
(٣) في الأصل : «تفنيه»