نزلوا ، فإن أقاموا بشرّ مقام ، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها. وكان يكره الخروج إليهم. فقال رجال ممّن فاته يوم بدر : يا رسول الله ، أخرج بنا إليهم لا يرون أنّا جبنّا عنهم. فلم يزالوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى دخل فلبس لأمته ، وذلك يوم الجمعة حين فرغ النّاس من الصّلاة. فذكر خروجه وانخزال ابن أبيّ بثلث النّاس ، فاتّبعهم عبد الله [٣٢ أ] والد جابر ، يقول : أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيّكم. قالوا : لو نعلم أنّكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنّا لا نرى أنّه يكون قتال. وقالت الأنصار : يا رسول الله ، ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ قال : لا حاجة لنا فيهم (١). ومضى حتى نزل الشّعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال : لا يقاتلنّ أحد حتى نأمره بالقتال (٢). وتعبّأ للقتال وهو في سبعمائة ، وأمّر على الرّماة عبد الله بن جبير وهم خمسون رجلا ، فقال : انضحوا عنّا الخيل بالنّبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا ، فاثبت مكانك لا تؤتينّ من قبلك وظاهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين درعين ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، وتعبّأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنّبوها فجعلوا على الميمنة خالدا ، وعلى الميسرة عكرمة (٣).
وقال سلّام بن مسكين ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيّب قال : كانت راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد مرطا (٤) أسود كان لعائشة ، وراية الأنصار يقال لها العقاب ، وعلى ميمنته عليّ ، وعلى ميسرته المنذر بن عمرو السّاعديّ ، والزّبير بن العوّام كان على الرجال ، ويقال المقداد بن الأسود ، وكان حمزة على القلب ، واللواء مع مصعب ، فقتل ، فأعطاه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) في الأصل : فيكم. ولعلّ الوجه ما أثبتناه كما ورد في أكثر من مصدر.
(٢) السير والمغازي ٣٢٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٠٧.
(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٠.
(٤) المرط : كساء من صوف أو خزّ أو كتّان يؤتزر به ، وقيل كل ثوب غير مخيط.