من أصحابه ، ونزل إليهم ثلاثة على العهد والميثاق : خبيب ، وزيد بن الدّثنة (١) ، وآخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها. فقال الرجل الثالث : هذا أوّل الغدر ، والله لا أصحبكم إنّ لي بهؤلاء أسوة. يريد القتلى. فجرّوه وعالجوه ، فأبى أن يصحبهم ، فقتلوه ، وانطلقوا بخبيب ، وزيد ، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر. فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا. وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر. فلبث عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله ، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها للقتل فأعارته. فدرج بنيّ لها وهي غافلة حتى أتاه ، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ، ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال : أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك ، فقالت : والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب ، والله لقد وجدته يكل قطفا من عنب وإنّه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة ، وكانت تقول : إنّه لرزق رزقه الله خبيبا. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ قال لهم : دعوني أركع ركعتين. فتركوه فركع ركعتين ، ثم قال : والله لو لا أن تحسبوا أنّ ما بي جزع من القتل لزدت ، اللهمّ أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا (٢) ، وقال :
فلست أبالي حين أقتل مسلما |
|
على أيّ جنب كان في الله مصرعي |
وذلك في ذات الإله ، وإن يشأ |
|
يبارك على أوصال شلو ممزّع (٣) |
ثم قام أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله.
__________________
(١) الدّثنة : ضبط في المواهب اللدنية : بفتح الدال وكسر الثاء مع فتح النون ، المشدّدة ، وزاد البرهان : وقد تسكّن الثاء ، وضبط صاحب القاموس بكسر الثاء مع فتح النون المخفّفة.
(٢) انظر سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٦ ، المغازي لعروة ١٧٥ ـ ١٧٧ ، عيون الأثر ٢ / ٤٠ ، ٤١.
(٣) البيتان في عيون الأثر ٢ / ٤١ والبداية والنهاية ٤ / ٦٣ ، وانظر : سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٧ ، ونهاية الأرب للنويري ١٧ / ١٣٦ ، ١٣٧ والمغازي لعروة ١٧٧.