حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال له كعب : جئتني والله بذلّ الدّهر وبجهام (١) قد هراق ماءه برعد وبرق ليس فيه شيء ، يا حييّ فدعني وما أنا عليه فإنّي لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حييّ بكعب حتى سمح له بأن أعطاه عهدا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك.
فنقض كعب عهده وبريء ممّا كان بينه وبين النّبيّ صلىاللهعليهوسلم (٢).
ولما انتهى الخبر إلى النّبيّ صلّى [٤٩ ب] الله عليه وسلّم بعث [سعد] (٣) بن معاذ ، وسعد بن عبادة سيّد الأنصار ، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوّات بن جبير رضياللهعنهم ، فقال : انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتّوا في أعضاد النّاس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للنّاس. فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم ، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ، وكان فيه حدّة ، فقال له ابن عبادة : دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم رجعوا إلى النّبي صلىاللهعليهوسلم فسلّموا عليه وقالوا : عضل والقارة ، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرّجيع خبيب وأصحابه. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين. فعظم عند ذلك الخوف (٤).
قال الله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ
__________________
(١) في هامش الأصل : هو السحاب الّذي لا ماء فيه.
(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦١.
(٣) ليست في الأصل ، وزدناها للتوضيح من سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦١.
(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦١ ، ٢٦٢.