ثم إنّ نعيم بن مسعود الغطفانيّ أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأسلم. وقال : إنّ قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال إنّما أنت فينا رجل واحد فاخذل عنّا منا استطعت فإنّ الحرب خدعة.
فأتى قريظة ـ وكان نديما لهم في الجاهلية ـ فقال لهم : قد عرفتم ودّي إيّاكم. قالوا : صدقت. قال : إنّ قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم ، لا تقدرون على أن تتحوّلوا منه إلى غيره ، وإنّ قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ، فليسوا كأنتم ، فإن رأوا نهزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، فلا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه ، فقالوا : لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه : قد عرفتم ودّي لكم وفراقي محمدا ، وإنّه قد بلغني أمر قد رأيت عليّ حقا أن أبلّغكموه نصحا لكم فاكتموه عليّ. قالوا : نفعل. قال : تعلّموا (١) أنّ معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد : وأرسلوا إليه أنّا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين ، قريش وغطفان ، رجالا من أشرافهم ، فنعطيكهم فنضرب أعناقهم ، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم : نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا منكم من [٥١ أ] رجالكم فلا تفعلوا.
ثم خرج فأتى غطفان فقال : يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي
__________________
(١) في معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٥١٥ «تعلمون» والصحيح ما أثبتناه كما في السيرة لابن هشام ٣ / ٢٦٦.