قوم آذوا رسولك وكذّبوه وأخرجوه ، اللهمّ إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة.
وكانت صفيّة بنت عبد المطّلب في فارغ (١) ـ حصن حسّان بن ثابت ـ وكان [٥٠ ب] معها فيه مع النّساء والولدان. قالت : فمرّ بنا يهودي فجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ونقضت وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنّا ، والنّبيّ صلىاللهعليهوسلم والمسلمون في نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا. فقلت : يا حسّان إنّ هذا اليهوديّ كما ترى يطيف بالحصن ، وإليّ والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنّا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فانزل إليه فأقتله. قال : يغفر (٢) لك الله يا ابنة عبد المطّلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا ، احتجزت (٣) ثم أخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته. فلما فرغت رجعت إلى الحصن فقلت : يا حسّان انزل إليه فاسلبه ، فإنّه لم يمنعني من سلبه إلّا أنّه رجل. قال : ما لي بسلبه من حاجة (٤).
وأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدّة لتظاهر عدوّهم عليهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
وروى نحوه يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه.
__________________
(١) فارع : أطم من آطام المدينة ، وقيل حصن بالمدينة.
(٢) في الأصل ، ع : فغفر ، وأثبتنا نصّ ابن هشام ٣ / ٢٦٤.
(٣) احتجز : شدّ إزاره على وسطه.
(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٧٧ وقد نقد السهيليّ هذه الرواية ٣ / ٢٨١ فقال :
«ويحمل هذا الحديث عند الناس على أن حسّانا كان جبانا شديد الجبن ، وقد دفع هذا بعض العلماء ، وأنكره ، وذلك أنه حديث منقطع الإسناد ، وقال : لو صحّ هذا لهجي به حسّان ، فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار وابن الزبعري وغيرهما ، وكانوا يناقضونه ويردّون عليه ..».