فأجد سفينة قد شحنت تدفع (١). فركبت معهم ، ودفعوها حتى انتهوا إلى الشعيبة (٢). وخرجت من الشّعيبة (٣) ومعي نفقة ، فابتعت بعيرا ، وخرجت أريد المدينة ، حتى خرجت على مرّ الظّهران. ثم مضيت حتى إذا كنت بالهدة ، فإذا رجلان قد سبقاني بغير كثير ، يريدان منزلا ، وأحدهما داخل في خيمة ، والآخر قائم يمسك الراحلتين. فنظرت فإذا خالد بن الوليد. فقلت : أبا سليمان؟ قال : نعم. أين تريد؟ قال : محمدا ، دخل النّاس في الإسلام فلم يبق أحد به طمع (٤) ، والله لو أقمت لاخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضّبع في مغارتها. قلت : وأنا والله قد أردت محمدا وأردت الإسلام. فخرج عثمان بن طلحة ، فرحّب بي ، فنزلنا جميعا ثم ترافقنا إلى المدينة ، فما أنسى قول رجل لقينا ببئر أبي عنبة (٥) يصيح : يا رباح ، يا رباح. فتفاءلنا بقوله ، وسرنا ثم نظر إلينا ، فأسمعه يقول : قد أعطت مكة المقادة بعد هذين. [٨٠ ب] فظننت أنّه [يعنيني وخالد بن الوليد. ثم ولّى مدبرا إلى المسجد سريعا فظننت أنّه] (٦) بشّر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بقدومنا ، فكان كما ظننت. وأنخنا بالحرّة فلبسنا من صالح ثيابنا ، ونودي بالعصر ، فانطلقنا حتى اطّلعنا عليه ، وأنّ لوجهه تهلّلا ، والمسلمون حوله قد سرّوا بإسلامنا. وتقدّم خالد فبايع ، ثم تقدّم عثمان بن طلحة فبايع ، ثم تقدّمت فو الله ما هو إلّا أن جلست
__________________
(١) في الأصل : قد سحبت بدفع. وما أثبتناه من ع ، وهو لفظ البداية والنهاية (٤ / ٢٣٧). وفي المغازي للواقدي (٢ / ٧٤٤) : قد شحنت برقع. (الرقع جمع رقعة ، كهمزة ، شجرة عظيمة).
(٢) الشّعيبة : مرفأ السفن من ساحل بحر الحجاز ، وكان مرفأ ومرسى سفنها قبل جدّة. وقيل قرية على شاطئ البحر على طريق اليمن (معجم البلدان ٣ / ٣٥١).
(٣) هكذا في الأصل ، ع والواقدي ، وهي في البداية والنهاية وابن الملا : السفينة.
(٤) في الأصل ، ع وابن كثير : طعم. وأثبتنا لفظ الواقدي (٢ / ٧٤٤).
(٥) في الأصل ، بدير أبي عينه. وكذا في ع بغير إعجام. والتصحيح من الواقدي. وبئر أبي عنبة ، بلفظ واحدة العنب ، بئر بينها وبين المدينة مقدار ميل. (معجم البلدان ١ / ٣٠١).
(٦) سقطت من الأصل ، ع ، وزدناها من الواقدي (٢ / ٧٤٤).