أحد. وسألتك : هل يغدر ، فزعمت أن لا ، وكذلك الرّسل لا يغدرون. وسألتك : هل قاتلتموه وقاتلكم ، فزعمت أن قد فعل ، وأنّ حربكم وحربه يكون دولا ، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وسألتك : ما ذا يأمركم به ، فزعمت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.
وهذه صفة نبيّ ، قد كنت أعلم أنّه خارج ، ولكن لم أظنّ أنّه منكم ، وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين ، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقيه (١) ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه. قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر فقرئ فإذا فيه (٢) :
«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد ، [٨٧ أ] فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين. وإن تولّيت فعليك إثم الأريسيّين (٣). [و] (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ)
__________________
(١) لقيه : (بالضم والكسر) لقاءه. وهي في البدآية والنهاية ٤ / ٢٦٥ «لقاءه».
(٢) في مراجع هذا الكتاب الشريف واختلاف روآياته انظر : مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة للدكتور محمد حميد الله (ص ٨٠ ـ ٨٢) وانظر أيضا في إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين (ص ١٠ وما بعدها).
(٣) الأريسيون : الأكارون ، ويراد بهم فلاحو السواد ، وهي لغة شامية ، مفردة أريس وإريس (كجليس وسكيت). وقد ذكرت فيهم أقوال شتى ، فقيل هم قوم من المجوس لا يعبدون النار ويزعمون أنهم على دين إبراهيم عليهالسلام. وقيل إنه كان في رهط هرقل تعرف بالأورسية نسبوا إليها. وقيل أنهم أتباع عبد الله بن أريس رجل كان في الزمن الأول قتلوا نبيا بعثه الله إليهم. وقيل غير ذلك. (انظر لسان العرب ج ٧ / ٣٠٠ مصورة بولاق).