ونصح لهم ، فاتّهموه وعصوه ، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه. فخرجوا من عنده ، حتى إذا أسحر وطلع الفجر ، قام على غرفة [له] (١) في داره فأذّن بالصلاة وتشهّد ، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله.
فزعموا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال حين بلغه قتله : «مثل عروة مثل صاحب ياسين ، دعا قومه إلى الله فقتلوه» (٢).
وأقبل ـ بعد قتله ـ من وفد ثقيف بضعة عشر رجلا هم أشراف ثقيف ، فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ ، وفيهم عثمان بن أبي العاص بن بشر ، وهو أصغرهم. حتى قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة يريدون الصّلح ، حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت عامّة العرب.
فقال المغيرة بن شعبة : يا رسول الله ، أنزل على قومي فأكرمهم ، فإنّي حديث الجرم (٣) فيهم. فقال : لا أمنعك أن تكرم قومك ، ولكن منزلك حيث يسمعون القرآن. وكان من جرم (٣) المغيرة في قومه أنّه كان أجيرا لثقيف ، وأنهم أقبلوا من مصر ، حتى إذا كانوا ببصاق (٤) ، عدا عليهم وهم نيام فقتلهم ، ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، خمِّس مالي هذا. فقال : «وما نبأه»؟ فأخبره ، فقال : «إنّا لسنا نغدر». وأبي أن يخمّسه.
وأنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد ثقيف في المسجد ، وبنى لهم خياما لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلّوا. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا خطب لم يذكر نفسه. فلما سمعه وفد ثقيف قالوا : يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله ، ولا يشهد به في خطبته. فلما بلغه ذلك قال : فإنّي أول من شهد أنّي رسول الله.
__________________
(١) سقطت من الأصل ، والمثبت من نسختي (ع) و (ح).
(٢) انظر : سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٤ ، المحبّر ١٠٥ ـ ١٠٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٩٧.
(٣) في الأصل : «الحزم» ، حزم في الموضعين. والتصحيح من ع ، ح.
(٤) بصاق : موضع قرب مكة ، ويقال بساق (بالسين). وقيل : جبل قرب أيلة فيه نقب. (معجم البلدان ١ / ٤٢٩).