وكانوا يغدون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلّ يوم ، ويخلّفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم. فكان عثمان ، كلّما رجعوا وقالوا بالهاجرة ، عمد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله عن الدّين واستقرأه القرآن ، حتى فقه في الدّين وعلم. وكان إذا وجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم نائما عمد إلى أبي بكر. وكان يكتم ذلك من أصحابه. فأعجب ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعجب منه وأحبّه.
فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله [صلىاللهعليهوسلم] وهو يدعوهم إلى الإسلام ، فأسلموا. فقال كنانة بن عبد يا ليل : هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟ فقال : «نعم ، إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم ، وإلّا فلا قضيّة ولا صلح بيني وبينكم». قالوا : أفرأيت الزّنا ، فإنّا قوم نغترب لا بدّ لنا منه؟ قال : «هو عليكم حرام». قالوا : فالرّبا؟ قال : «لكم رءوس أموالكم». قالوا : فالخمر؟ قال : «حرام». وتلا عليهم [١٢٢ ب] الآيات في تحريم هذه الأشياء. فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض ، فقالوا : ويحكم ، إنّا نخاف ـ إن خالفناه ـ يوما كيوم مكة. انطلقوا نكاتبه على ما سألنا. فأتوه فقالوا : نعم ، لك ما سألت. أرأيت الرّبّة (١) ما ذا نصنع فيها؟ قال : «اهدموها». قالوا : هيهات ، لو تعلم الربّة أنك تريد هدمها قتلت أهلها. فقال عمر : ويحك يا بن عبد ياليل ، ما أحمقك ، إنّما الربّة حجر. قالوا : إنّا لم نأتك يا بن الخطّاب. وقالوا : يا رسول الله ، تولّ أنت هدمها ، فأما نحن فإنّا لن نهدمها أبدا. قال : «فسأبعث إليكم من يهدمها». فكاتبوه وقالوا : يا رسول الله ، أمّر علينا رجلا يؤمّنا. فأمّر عليهم عثمان لما رأى من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلّم سورا من القرآن.
وقال ابن عبد يا ليل : أنا أعلم الناس بثقيف. فاكتموهم الإسلام وخوّفوهم الحرب ، وأخبروا أنّ محمدا سألنا أمورا أبيناها.
__________________
(١) الربّة : بيت اللات التي كانت تعبدها ثقيف ، أو هي اللات ذاتها.