قال : «وليس الحديث واردا على المدح ، بل على استقامة السلطنة ، وهم يزيد بن معاوية ، وابنه معاوية ، ولا يدخل عبد الله بن الزبير لأنّه من الصحابة ، ولا مروان بن الحكم لكونه بويع بعد ابن الزبير ، فكان غاصبا ، ثم عبد الملك ، ثم الوليد ، إلى مروان بن محمد» (١).
وهذا لعمري رمي للقول على عواهنه ، فمن أين علم أنّه إشارة إلى إمارة غير الصحابة ، مع أنّه قال : يكون بعدي. ثم ما فائدة هذا الإخبار وما حاصله؟.
أضف إلى ذلك أنّ الرسول الأكرم أناط عزة الإسلام ، ومنعته ، وقوام الدين وصلاح الأمّة ، بخلافة هؤلاء. وهل كان في خلافتهم هذه الآثار ، أو الذي كان هو ما يضادّها؟ فكيف يمكن حمل هذه البشائر التي صدرت على سبيل المدح ، على مثل يزيد بن معاوية قاتل الإمام الطاهر ، والفاسق المعلن بالمنكرات والكفر ، والمتمثل بأشعار ابن الزّبعرى المعروفة(٢). وموبقات هذا الرجل من استباحة دم الصحابة ، والتابعين ثلاثة أيام (٣) ، وغير ذلك ، ممّا لا يحصى. وكيف يعدّ وليد بن يزيد بن عبد الملك من خلفاء رسول الله الذين يعتزّ بهم الدين؟ :
فتح الوليد المصحف ذات يوم وقرأ قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) (٤) ، فدعا بالمصحف ، فنصبه غرضا للنشاب ، وأقبل يرميه وهو يقول :
تهدّدني بجبار عنيد |
|
فها أنا ذاك جبّار عنيد |
إذا ما جئت ربّك يوم حشر |
|
فقل يا ربّ مزّقني الوليد |
__________________
(١) منتخب الأثر ، ص ١٦ ، نقلا عن حواشي صحيح الترمذي.
(٢) ليت أشياخي ببدر شهدوا |
|
وقع الخزرج من وقع الأسل |
إلى آخر الأبيات وفيها :
لعبت هاشم بالملك فلا |
|
خبر جاء ولا وحي نزل |
(البداية والنهاية ، لابن الأثير ، ج ٨ ، ص ١٤٢. ط دار الفكر ـ بيروت ، وتذكرة الخواص ، لابن الجوزي ، ص ٢٣٥ ، ط بيروت ١٤٠١ ـ ١٩٨١).
(٣) لاحظ تاريخ الطبري ، حوادث سنة ٦٣ ، ص ٣٧٠ ـ ٣٨١.
(٤) سورة إبراهيم : الآيتان ١٥ و ١٦.