وبشّره : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) (١). وأمّا ثانيهما ، فقد بشرته به الملائكة عند ما دخلوا عليه ضيوفا ، فقالوا : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) (٢).
وعلى ذلك ، يجب أن تكون الإمامة الموهوبة للخليل غير النبوة ، وإلّا كان أشبه بتحصيل الحاصل.
والظاهر أنّ المراد من الإمامة ، القيادة الإلهية للمجتمع ، فإنّ هناك مقامات ثلاثة :
ـ مقام النبوة ، وهو منصب تحمّل الوحي.
ـ مقام الرسالة ، وهو منصب إبلاغه إلى الناس.
ـ مقام الإمامة ، وهو منصب القيادة وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة وقدرة.
ويعرب عن كون المراد من الإمامة في المقام هو المعنى الثالث ، قوله سبحانه : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٣).
فالإمامة التي أنعم بها الله سبحانه على الخليل وبعض ذرّيته ، هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. وعلينا الفحص عن المراد من الملك العظيم ، إذ عند ذلك يتّضح أنّ مقام الإمامة ، وراء النبوة والرسالة ، وإنّما هو قيادة حكيمة ، وحكومة إلهيّة ، يبلغ المجتمع بها إلى السعادة. والله سبحانه يوضح حقيقة هذا الملك في الآيات التالية :
١ ـ يقول سبحانه ـ حاكيا قول يوسف عليهالسلام ـ : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) (٤). ومن المعلوم أنّ الملك الذي منّ به
__________________
(١) لاحظ سورة الصافات : الآيات ٩١ ـ ١٠٢.
(٢) لاحظ سورة الحجر : الآيات ٥١ ـ ٥٥.
(٣) سورة النساء : الآية ٥٤.
(٤) سورة يوسف : الآية ١٠١.