فالإرادة في الآية الشريفة ، نظير الإرادة الواردة في الآيات التالية :
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(١).
(وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) (٢).
(وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣).
وأمّا دلالتها على العصمة ، فتظهر إذا اطّلعنا على أنّ المراد من الرجس هو القذارة المعنوية لا المادية ، توضيح ذلك ، إنّ الرجس في اللغة هو القذر (٤) ، وقد يعبّر به عن الحرام ، والفعل القبيح ، والعذاب ، واللعن ، والكفر ، قال الزجاج : «الرّجس ـ في اللغة ـ كل ما استقذر من عمل ، فبالغ الله في ذمّ أشياء وسماها رجسا». وقال ابن الكلبي : «رجس من عمل الشيطان ، أي مأثم» (٥).
والمتفحص في كلمات أئمة أهل اللغة ، والآيات الواردة فيها تلك اللفظة ، يصل إلى أنّها موضوعة للقذارة التي تتنفر منها النفوس ، سواء أكانت مادية كما في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ، فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (٦) ، أو معنوية كما في الكافر وعابد الوثن ، وصنمه ، قال سبحانه : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (٧).
__________________
ـ للشيخ الطبرسي ، (ت ٤٧١ ـ م ٥٤٨) ، ج ٤ ، ص ٣٠٧. ورياض السالكين ، للسيد علي المدني (م ١١١٨) ، الروضة ٤٧ ، ص ٤٩٧.
(١) سورة القصص : الآية ٥.
(٢) سورة الأنفال : الآية ٧.
(٣) سورة المائدة : الآية ٤١.
(٤) مقاييس اللغة ، ج ٢ ، ص ٤٩٠ ، ولسان العرب ج ٦ ص ٩٤.
(٥) لسان العرب ، ج ٦ ، ص ٩٤.
(٦) سورة الأنعام : الآية ١٤٥.
(٧) سورة الحج : الآية ٣٠.