فرد من الأمّة بأحد الطرق ، ما اشترطوه من الشروط ، وذكروه من الأوصاف في حق الإمام ، وستوافيك فيما يأتي. ولأجل إيقاف الباحث على صحّة هذا التحليل نشير إلى بعض كلماتهم.
قال الباقلاني : «لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال ، وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله» (١).
وقال الطحاوي : «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل فريضة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة» (٢). وقال : «والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين ، برّهم وفاجرهم ، إلى قيام الساعة ، ولا يبطلهما شيء ولا ينقضهما»(٣).
قال التفتازاني : «ولا ينعزل الإمام بالفسق ، أو بالخروج عن طاعة الله تعالى ، والجور (أي الظلم على عباد الله) ، لأنّه قد ظهر الفسق ، وانتشر الجور من الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ، ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهم ، ولا يرون الخروج عليهم». ونقل عن كتب الشافعية أنّ القاضي ينعزل بالفسق بخلاف الإمام ، والفرق أن في انعزاله ووجوب نصب غيره إثارة الفتنة ، لما له من الشوكة ، بخلاف القاضي(٤).
إلى غير ذلك من الكلمات التي ذكروها في وجوب إطاعة السلطان الجائر ، وحرمة الخروج عليه (٥). فإنّ هذه الكلمات تبين لنا موقع منصب الإمامة عند أهل
__________________
(١) التمهيد ، للقاضي أبي بكر الباقلاني ، ص ١٨١. توفي القاضي عام ٤٠٣.
(٢) متن شرح العقيدة الطحاوية ، ص ٣٧٩ ، ولاحظ ما ذكره في شرحه.
(٣) المصدر السابق ، ص ٣٨٧.
(٤) شرح العقائد النسفيّة ، المتن لأبي حفص عمر بن محمد النّسفي (م ٥٣٧) ، والشرح لسعد الدين التفتازاني (م ٧٩١) ص ١٨٥ ـ ١٨٦ ، ط إسطنبول.
(٥) لاحظ مقالات الإسلاميين ، للأشعري ، ص ٣٢٣ ، وأصول الدين ، لمحمد بن عبد الكريم اليزدوي (إمام الماتريدية) ، ص ١٩٠.