الأرض لا يمكن التعرف عليها ليعاد جمع أجزاء كل إنسان.
والجواب عنه واضح بعد التعرف على علمه الوسيع ، سبحانه ، وأنّ الممكنات بعامة أجزائها حاضرة لديه غير غائبة عنه.
يقول سبحانه : بعد نقل شبهتهم (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ، ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ).
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (١). فالتركيز في الجواب على علمه سبحانه بما تنقص الأرض منهم ، وأنّ عنده كتابا حفيظا لكلّ شيء ، يعرب عن أنّ شبهتهم كانت ترجع إلى عدم إمكان التعرف على الأجزاء البالية ، حتى يعاد جمعها.
ونظير ذلك قوله سبحانه : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٢). فالتركيز على كونه سميعا وبصيرا يعرب عن أنّ المقصود من صدر الآية هو نقل شبهتهم الراجعة إلى علمه سبحانه.
جواب الشبهة الثالثة ـ الموت ليس إبطالا للشخصية
إنّ القائل بأنّ الموت إبطال للشخصية ، حسب أنّ الإنسان موجود مادي محض ، وليس هو إلّا مجموعة خلايا وعروق وأعصاب وعظام وجلود ، تعمل بانتظام ، فإذا مات الإنسان صار ترابا ، ولا يبقى من شخصيته شيء ، فكيف يمكن أن يكون المعاد نفس الأول؟ ولعلّه إلى ذلك يشير قولهم : «أءذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد؟». بأن يكون المراد من الضلال في الأرض بطلان الهوية بطلانا كاملا لا يمكن أن تتسم معه بالإعادة ، ويجيب القرآن عن هذه الشبهة بجوابين :
أوّلهما ، قوله : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (٣).
__________________
(١) سورة ق : الآية ٤.
(٢) سورة لقمان : الآية ٢٨.
(٣) سورة السجدة : الآية ١٠.