وثانيهما ، قوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)(١).
والجواب الأول راجع إلى بيان باعث الإنكار ، وهو أنّ السبب الواقعي لإنكار المعاد ، ليس ما يتقوّلونه بألسنتهم من الضلالة في الأرض ، وإنّما هو ناشئ من تبنّيهم موقفا سلبيا في مجال لقاء الله ، فصار ذلك مبدأ لطرح هذه الشبهات.
والجواب الثاني جواب عقلي عن هذا السؤال ، وتعلم حقيقته بالإمعان في معنى لفظ التوفي ، فهو وإن كان يفسّر بالموت ، ولكنّه تفسير باللازم ، والمعنى الحقيقي له هو الأخذ تماما ، وقد نصّ على ذلك أئمة أهل اللغة ، قال ابن منظور في اللسان : «توفّي فلان وتوفاه الله ، إذا قبض نفسه ، وتوفّيت المال منه ، واستوفيته ، إذا أخذته كلّه. وتوفيت عدد القوم ، إذا عددتهم كلهم. وأنشد أبو عبيدة :
إنّ بني الأدرد ليسوا من أحد |
|
ولا توفّاهم قريش في العدد |
أي لا تجعلهم قريش تمام عددهم ولا تستوفي بهم عددهم» (٢).
وآيات القرآن الكريم بنفسها كافية في ذلك ، يقول سبحانه : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) (٣). فإنّ لفظة «التي» ، معطوفة على الأنفس ، وتقدير الآية : يتوفى التي لم تمت في منامها. ولو كان التوفي بمعنى الإماتة ، لما استقام معنى الآية ، إذ يكون معناها حينئذ : الله يميت التي لم تمت في منامها. وهل هذا إلّا تناقض؟ فلا مناص من تفسير التوفّي بالأخذ ، وله مصاديق تنطبق على الموت تارة ، كما في الفقرة الأولى ، وعلى الإنامة أخرى ، كما في الفقرة الثانية.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى قوله سبحانه : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) ، فمعناه : يأخذكم ملك الموت الذي وكلّ بكم ثم إنّكم إلى الله ترجعون. وهذا
__________________
(١) سورة السجدة : الآية ١١.
(٢) لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٤٠٠ ، مادة «وفى».
(٣) سورة الزمر : الآية ٤٢.