ومستمرة في مهبّ التغيرات ، وهذا آية التجرّد.
أمّا المقدمة الأولى ، فلا تحتاج إلى بحث كثير ، لأنّ كل واحد ينسب أعضاءه إلى نفسه ويقول يدي ، رجلي ، عيني ، أذني ، قلبي ، ... كما ينسب أفعاله إليها ، ويقول قرأت ، كتبت ، أردت ، أحببت ، وهذا مما يتساوى فيه الإلهي والمادي ولا ينكره أحد ، وهو بقوله «أنا» و «نفسي» ، يحكي عن حقيقة من الحقائق الكونية ، غير أنّ اشتغاله بالأعمال الجسمية ، يصرفه عن التعمّق في أمر هذا المصدر والمبدأ ، وربما يتخيل أنّه هو البدن ، ولكنه سرعان ما يرجع عنه إذا أمعن قليلا حتى أنّه ينسب مجموع بدنه إلى تلك النفس المعبّر عنها ب «أنا».
وأمّا المقدمة الثانية ، فكل واحد منا يحسّ بأنّ نفسه باقية ثابتة في دوامة التغيرات والتحوّلات التي تطرأ على جسمه ، فمع أنّه يتصف تارة بالطفولة ، وأخرى بالصبا ، وثالثة بالشباب ، وأخيرا بالكهولة ، فمع ذلك يبقى هناك شيء واحد تسند إليه جميع هذا الحالات ، فيقول : أنا الذي كنت طفلا ثم صرت صبيا ، فشابا ، فكهلا ، وكل إنسان يحسّ بأنّ في ذاته حقيقة باقية وثابتة رغم تغير الأحوال وتصرم الأزمنة ، فلو كانت تلك الحقيقة التي يحمل عليها تلك الصفات أمرا ماديا ، مشمولا لسنّة التغيّر والتبدّل ، لم يصحّ حمل تلك الصفات على شيء واحد ، حتى يقول : أنا الذي كتبت هذا الخط يوم كنت صبيا أو شابا ، فلو لا وجود شيء ثابت ومستمر إلى زمان النطق ، للزم كذب القضية ، وعدم صحتها ، لأنّ الشخصية التي كانت في أيام الصبا ، قد زالت ـ على هذا الفرض ـ وحدثت بعدها شخصية أخرى.
لقد أثبت العلم أنّ التغيّر والتحوّل من الآثار اللازمة للموجودات المادية ، فلا تنفك الخلايا التي يتكون منها الجسم البشري ، عن التغير والتبدّل ، فهي كالنهر الجاري تخضع لعملية تغيير مستمر ، ولا يمضي على الجسم زمن إلّا وقد احتلّت الخلايا الجديدة مكان القديمة. وقد حسب العلماء معدل هذا التجدد ، فظهر لهم أنّ التبدّل يحدث بصورة شاملة في البدن ، مرة كل عشر سنين.
وعلى هذا ، فعملية فناء الجسم المادي الظاهري مستمرة ، ولكن