خاضع لهما بالقوة ، وإذا عجز الإنسان عن تقسيم ذلك الموجود ، فلأجل فقدانه أدواته اللازمة. ولأجل ذلك ذكر الفلاسفة في محلّه ، بطلان الجزء الذي لا يتجزأ. وما يسميه علم الفيزياء ، جزء لا يتجزأ ، فإنّما هو غير متجزّئ بالحسّ ، لعدم الأدوات اللازمة ، وأمّا عقلا فهو منقسم مهما تناهى الانقسام ، لأنّه إذا لم يمكن الانقسام ، وعجز الوهم عن استحضار ما يريد أن يقسّمه ـ حتى بالمكبرات ـ بسبب صغره ، يفرض العقل فيه شيئا غير شيء ، فيحكم بأنّ كل جزء منه يتجزأ إلى غير النهاية ، ومعنى عدم الوقوف أنّه لا ينتهي انقسامه إلى حدّ إلّا ويتجاوز عنه (١).
ومن جانب آخر ، كلّ واحد منّا إذا رجع إلى ما يشاهده في صميم ذاته ، ويعبّر عنه ب «أنا» ، وجده معنى بسيطا غير قابل للانقسام والتجزّي ، فارتفاع أحكام المادة ، دليل على أنّه ليس بمادي.
إنّ عدم الانقسام لا يختص بما يجده الإنسان في صميم ذاته ويعبّر عنه ب «أنا» ، بل هو سائد على وجدانياته أيضا من حبّ ، وبغض ، وإرادة ، وكراهة ، وتصديق ، وإذعان. وهذه الحالات النفسانية ، تظهر فينا في ظروف خاصة ، ولا يتطرق إليها الانقسام الذي هو من أظهر خواص المادة.
اعطف نظرك إلى حبك لولدك ، وبغضك لعدوك ، فهل تجد فيهما تركّبا؟ وهل ينقسمان إلى جزء فجزء؟ كلا ، لا.
فإذا كانت الذات والوجدانيات غير قابلة للانقسام ، فلا تكون منتسبة إلى المادة التي يعدّ الانقسام من أظهر خواصّها.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ الروح وآثارها ، والنفس والنفسانيات ، كلّها موجودات واقعية خارجة عن إطار المادة ، ومن المضحك قول المادي إنّ التفحص ، والتفتيش العلمي في المختبرات لم يصل إلى موجود غير مادي ، حتى نذعن بوجوده ، فقد عزب عنه أنّ القضاء عن طريق المختبرات يختصّ بالأمور المادية ، وأمّا ما يكون
__________________
(١) لاحظ شرح المنظومة ، للحكيم السبزواري ، ص ٢٠٦.