أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١).
وصراحة الآية غير قابلة للإنكار ، فإنّها تقول : إنّهم أحياء أوّلا ، ويرزقون ثانيا ، وإنّ لهم آثارا نفسانية يفرحون ويستبشرون ، لا يخافون ولا يحزنون ثالثا :
ونظيره قوله سبحانه : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ ، بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (٢).
وتفسير الحياة في الآيتين ، بالحياة في شعور الناس وضمائرهم ، وقلوبهم ، وفي الأندية والمحافل والمناسبات الرسمية ، تفسير مادي للآية ، جرّت إليه النزعات الإلحادية ، ولو كان المراد هو هذا النوع من الحياة ، فما معنى قوله سبحانه : (يُرْزَقُونَ) ، (فَرِحِينَ) ، (يَسْتَبْشِرُونَ) ، وما معنى قوله : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ، فإنّ الحياة بالمعنى الذي ذكروه يشعر بها كل الناس.
(ج) يقول سبحانه : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ* النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٣).
فترى أنّه سبحانه يحكم على آل فرعون بأنّهم يعرضون على النار ، في كل يوم وليلة ، قبل يوم القيامة ، بشهادة قوله بعده : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) ، فإنّه دليل على أنّ العرض على النار قبلها ، فلو كان الموت بطلانا للشخصية ، واندثارا لها ، فما معنى العرض على النار ، صباحا ومساء.
(د) يقول سبحانه : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) (٤).
__________________
(١) سورة آل عمران : الآيات ١٦٩ ـ ١٧١.
(٢) سورة البقرة : الآية ١٥٤.
(٣) سورة غافر : الآيتان ٤٥ و ٤٦.
(٤) سورة نوح : الآية ٢٥.