المراحل السابقة ، فيعطفها بالفاء ، ويقول فخلقنا العلقة ... فخلقنا المضغة ... فكسونا العظام ... وهذا يدل على تغاير هائل بين هذه المرحلة والمراحل السابقة.
ثانيا : يستعمل في بيان خلقه هذه المرحلة لفظ الإنشاء ، بمعنى الإبداع ، وإنشاء شيء بلا مثال قبله ، وهو أيضا يدل على مغايرة هذه المرحلة لما سبقها من المراحل ، مغايرة جوهريّة.
وثالثا : إنّه سبحانه بعد ما يقرر خلقه هذه المرحلة ، يثني على نفسه ، مما يعرب عن اختلاف هذه المرحلة مع ما تقدمها ، وامتيازها عنها امتيازا جوهريا.
وهذه الوجوه ، تكفي في دلالة الآية على أنّ المنشأ في هذه المرحلة شيء لا يشبه المنشآت السابقة ، ويختلف عنها جوهرا ، وحيث إنّ المنشآت السابقة من سنخ تكامل المادة ، فيكون المنشأ في هذه المرحلة ، منشأ غير مادي ، وهو تعلّق النفس المجردة بالبدن في تلك المرحلة.
إلى هنا تم إيراد الآيات الصريحة في المطلوب ، ويقع الكلام بعده في القسم الثاني من الآيات ، وهي التي يستظهر منها الدلالة على تجرد الروح ، وإن كانت قابلة للحمل على معان أخرى.
القسم الثاني من الآيات
أ ـ يقول سبحانه : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) (١).
وتتضح الدلالة إذا أمعنّا أنّه سبحانه يخص النجاة ببدن فرعون ، ويقول : (بِبَدَنِكَ) وهذا يعرب عن أنّ هناك شيء آخر لا يشمله النجاة ، ويقع مورد العذاب.
أضف إلى ذلك خطابه سبحانه أعني قوله : (نُنَجِّيكَ) ، فإنّه يدلّ على أنّ
__________________
(١) سورة يونس : الآية ٩٢.