هناك واقعية ، غير البدن ، يكلمها ويخاطبها ، ويعلّمها بأنّ النجاة تشمل بدنها لا غيره.
ب ـ يقول سبحانه : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ* فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (١).
فقوله تعالى : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) : بعد قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) ، يدل على أنّ توليه عنهم كان بعد هلاكهم ، ويترتب على ذلك أن محاورتهم بقوله : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) ، كان محاورة بعد الدمار ، فالآية تدل على أمرين ، خلود الروح بعد الموت ، وإمكان الاتصال بالأرواح كما اتصل صالح بها فقال ما قال.
ونظير ذلك ما نقله عن شعيب ، قال : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ* فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ، فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) (٢). ووجه الدلالة في المقامين واحد خصوصا إذا أمعنّا في «الفاء» ، في قوله (فَتَوَلَّى) ، المعرب عن تأخّر التولّى والمحاورة عن الهلاك.
وإنما جعلنا هما من الآيات غير الصريحة ، لاحتمال أن تكون المحاورة تأثّريّة ، يتكلم بها الإنسان بلا اختيار عند ما يواجه حادثة مؤلمة حلّت على إنسان عاصي لا يسمع كلام ناصحه ، كالمجرم المصلوب فإنه يخاطب ، بمثل ما خوطب به هؤلاء ، ولكنّ ظاهر الآية هو الأول.
ج ـ يقول سبحانه : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ، أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٣).
والآية تأمر النبي أن يسأل المتقدمين من الرسل في شأن اختصاص العبادة
__________________
(١) سورة الأعراف : الآيات ٧٧ ـ ٧٩.
(٢) سورة الأعراف : الآيتان ٩٢ ـ ٩٣.
(٣) سورة الزخرف : الآية ٤٥.