نعم بقي هنا شيء وهو أنّه لو كان صدر الآيات راجعا إلى أشراط الساعة ، فما معنى قوله سبحانه : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ). فإنه بالمعنى الأوّل ألصق.
ولكن يمكن أن يقال : إن الجملة الخبرية متضمنة لقضية شرطية ، وهي أنه حتى لو كشفنا عنهم العذاب ، لعادوا لما كانوا عليه من العصيان نظير قوله سبحانه : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١).
د ـ نزول المسيح
يقول سبحانه : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ* إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ* وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ* وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ، فَلا تَمْتَرُنَّ بِها ، وَاتَّبِعُونِ ، هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٢).
روى المفسرون أنه لما نزل قوله سبحانه : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٣) ، أحدثت قريش ضجة ، وقاموا يجادلون النبي فقالوا : قد رضينا بأنّ تكون آلهتنا كذلك ، حيث يكون عيسى أيضا مثلهم ، وقالوا ـ كما يحكيه سبحانه عنهم : ـ (آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) ، فليست آلهتنا خيرا من عيسى ، فإن كان عيسى في النار ، فكذلك آلهتنا.
فأجاب سبحانه بأنّهم ما ضربوا هذا المثل إلا للمجادلة والمخاصمة ، وأنهم قوم خصمون لا يتطلبون الحق. ثم أخذ بتوصيف عيسى بن مريم وتبيين مقامه فقال : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) ، أي إنّ وجود عيسى في ظرف من الظروف ، يعلم به قرب الساعة ، فلا تكذبوا بها.
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ٢٨.
(٢) سورة الزخرف : الآيات ٥٧ ـ ٦١.
(٣) سورة الأنبياء : الآية ٩٨.