ناقصة تتجلى بعد الموت في النشأة الأخرى بصورة كاملة برفع الموانع والحجب ، فكأنّ المعرفة العقلية بذر المشاهدة. فتلتذ النفوس في النشأة الأخرى بإدراك الأكمل فالأكمل.
وهذا كما ترى غير ما أشار إليه القرآن من اللذات الروحية ، نعم لا مانع من ثبوت كلا النوعين من المعاد الروحاني ، وليس الوارد في القرآن رادا لهذا القسم.
الثاني : إنّ المعاد الروحاني الوارد في القرآن الكريم يعمّ جميع النفوس ، كاملة كانت أو متوسطة أو ناقصة. ولكن المعاد الروحاني الذي عليه الحكماء يختص بصنف خاص ، وهم الكاملون في المعرفة. وذلك لأنّ المعاد الروحاني حسب الكتاب والسنة ، يرجع إلى اللذائذ الروحية لا إلى اللذة العقلية التي تختص بالكاملين في المعرفة.
يقول صدر المتألهين : «وهذا النوع من اللذة والسعادة لا تنالها كل نفس وإنما ينالها من عرف العقليات في النشأة الأولى ، لأن المعرفة بذر المشاهدة فمعرفة العقليات في النشأة الأولى منشأ الحضور في العقبى» (١).
إن النفوس مختلفة ومنقسمة إلى كاملة ومتوسطة وناقصة ، فلا شك أنّ حصر المعاد في الجسماني يخالف رحمته الواسعة وحكمته البالغة إذ النفوس الناقصة والمتوسطة ، وإن كانت تلتذ بنعيم الجنة ، ولكن النفوس الكاملة لا تلتفت إلى مثلها بل تطلب غاية أعلى منها ، ولأجل ذلك يجب أن يكون هناك وراء هذه اللذات الحسية ، لذة عقلية تتشوق إليها النفوس الكاملة وتصبو إليها ، وليست هي إلا نيل مقامات القرب من الحق تعالى.
يقول الحكيم السبزواري : «لو حصروا المعاد في الجسماني لكان قصورا حيث عطّلوا النفوس الكاملة عن البلوغ إلى غاياتها ، لأنها المستصغرة للغايات الجزئية ، الطالبة للاتصال بالأرواح المرسلة ، بل لمحض القرب من الله تعالى».
__________________
(١) الأسفار ، ج ٩ ، ص ١٢٣ و ١٢٩.