والجواب : إن هذه الآية مختصة بالظالمين الذين أهلكوا في هذه الدنيا ورأوا جزاء عملهم فيها ، فهذه الطائفة لا ترجع. وأما الظالمون الذين رحلوا عن الدنيا بلا مؤاخذة ، فيرجع لفيف منهم ليروا جزاء عملهم فيها ، ثم يردّون إلى أشد العذاب في الآخرة أيضا. فالآية لا تمت إلى مسألة الرجعة بصلة.
السؤال الثاني ـ إن الظاهر من قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ، وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١) ، نفي الرجوع إلى الدنيا بعد مجيء الموت.
والجواب : إنّ الآية تحكي عن قانون كلّي قابل للتخصيص في مورد دون مورد ، والدليل على ذلك ما عرفت من إحياء الموتى في الأمم السالفة ، فلو كان الرجوع إلى هذه الدنيا سنة كلية لا تتبعض ولا تتخصص ، لكان عودها إلى الدنيا مناقضا لعموم الآية.
وهذه الآية ، كسائر السنن الإلهية الواردة في حق الإنسان ، فهي تفيد أنّ الموت بطبعه ليس بعده رجوع ، وهذا لا ينافي الرجوع في مورد أو موارد ، لمصالح عليا.
السؤال الثالث ـ إن الاستدلال على الرجعة مبني على جعل قوله سبحانه : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) ، حاكيا عن حادثة تقع قبل القيامة ، ولكن من الممكن جعلها حاكية عن الحادثة التي تقع عند القيامة ، غير أنّها تقدمت على قوله سبحانه : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) ، وكان طبع القضية تأخيرها عنه ، والمراد من الفوج من كل أمّة هو الملأ من الظالمين ورؤسائهم.
والجواب : أولا ، إنّ تقديم قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ ...) ، على فرض كونه حاكيا عن ظاهرة تقع يوم القيامة ، على قوله : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ) ، ليس إلّا إخلال في الكلام ، بلا مسوغ.
__________________
(١) سورة المؤمنون : الآيتان ٩٩ و ١٠٠.