وهناك برهانان آخران على بطلان التناسخ على وجه الإطلاق ، من دون أن يختصا بقسم دون قسم ، وإليك بيانهما :
الأول : اجتماع نفسين في بدن واحد
وهذا البرهان مبنى على أمرين :
أ ـ إنّ كل جسم نباتا كان أو حيوانا أو إنسانا ، إذا بلغ من الكمال إلى درجة يصير فيها صالحا لتعلّق النفس به ، تتعلق به. وبعبارة أخرى : متى حصل في البدن مزاج صالح لقبول تعلق النفس المدبرة به ، فبالضرورة تفاض عليه من الواهب من غير مهلة ولا تراخ ، وذلك مقتضى الحكمة الإلهية التي شاءت إبلاغ كل ممكن إلى كماله الممكن.
ب ـ إن القول بالتناسخ يستلزم تعلّق النفس المستنسخة المفارقة للبدن ، ببدن نوع من الأنواع من نبات أو حيوان أو إنسان ، بحيث يتقوم ذلك البدن بالنفس المستنسخة المتعلقة به.
ولازم تسليم هذين الأمرين ، تعلّق نفسين ببدن واحد : إحداهما النفس المفاضة على البدن لأجل صلاحيته للإفاضة ، وثانيتهما النفس المستنسخة المتعلقة بعد المفارقة بمثل هذا البدن.
ومن المعلوم بطلانه وذلك لأن تشخص كل فرد من الأنواع بنفسه وروحه ، وفرض نفسين وروحين مساوق لفرض ذاتين ووجودين لوجود واحد وذات واحدة.
أضف إلى ذلك : أنه ما من شخص إلا ويشعر بنفس وذات واحدة. قال التفتازاني : إنّ كلّ نفس تعلم بالضرورة أن ليس معها في هذا البدن نفس أخرى تدبر أمره وأن ليس لها تدبير وتصرّف في بدن آخر ، فالنفس مع البدن على التساوي ، ليس لبدن واحد إلا نفس واحدة ، ولا تتعلق نفس واحدة إلا ببدن واحد (١).
__________________
(١) شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٣٨. ولاحظ كشف المراد ، ص ١١٣ ، ط صيدا. ويضيف الأخير : ـ