وتؤكّده آيات الطبع والختم ، فإنه تعرب عن كون محل الإيمان هو القلب ، كما يقول سبحانه : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١) ويقول سبحانه : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢). والختم على السمع والبصر لأجل كونهما من أدوات المعرفة التي يستخدمها القلب. والمآل هو القلب.
فالإمعان في هذه الآيات يثبت أنّ الإيمان هو التصديق القلبي ، وأما أنّ هذا المقدار من الإيمان يكفي في نجاة الإنسان أو لا ، فهو بحث آخر ، إذ من الممكن أن يكون للإيمان في مجال النجاة شروط أخر.
سؤال :
لو كان الإذعان القلبي كافيا في صدق الإيمان ، فلما ذا يندد سبحانه بجماعة من الكفار بأنّهم جحدوا الحقيقة بألسنتهم وإن استيقنوها بقلوبهم ، مع أنّهم على التعريف الذي ذكرناه ، مؤمنين. يقول سبحانه : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا ، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (٣). ويقول سبحانه : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٤). ويقول سبحانه : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٥). فهذه الآيات تدلّ على عدم كفاية التصديق القلبي في صدق الإيمان.
جوابه :
إن الإيمان هو التصديق ، وأما التنديد ، فلأنّ ظاهرهم كان مخالفا لباطنهم ، فكانوا يتظاهرون بالنفاق ، ولو لا التظاهر بالخلاف ، بأن لا يجحدوا بعد
__________________
(١) سورة النحل : الآية ١٠٨.
(٢) سورة الجاثية : الآية ٢٣.
(٣) سورة النمل : الآية ١٤.
(٤) سورة البقرة : الآية ٨٩.
(٥) سورة البقرة : الآية ١٤٦.