دماءهم وأموالهم إلّا بحقها ، وحسابهم على الله» (١).
وبذلك يظهر وجه حكمه صلىاللهعليهوآله في السوداء بأنها مؤمنة. روى ابن حزم عن خالد بن الوليد أنّه قال : ربّ رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال صلىاللهعليهوآله : «إنّي لم أبعث لأشقّ عن قلوب الناس» (٢).
وكيف يكتفي القائل بالتصديق اللساني ، مع أنّ صريح الكتاب على خلافه ، قال سبحانه : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٣) والأعراب صدّقوا بألسنتهم ، وأنكروا بقلوبهم ، فرد الله عليهم بأنّكم لستم مؤمنين لأنّكم مصدّقون بألسنتكم لا بقلوبكم.
الثالث : إنّ الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان مع العمل ، فالعمل عنصر حقيقي مقوّم للإيمان ، والفاقد له ليس بمؤمن بتاتا والقائلون بهذا هم الخوارج والمعتزلة (٤) ، غير أنّ بينهما فرقا في المقام.
فالخوارج يرون العمل مقوّما للإيمان ، فالمقرّ قلبا ولسانا إذا فقد العمل ، ارتكب الكبيرة ، فقد صار كافرا ، ولأجل ذلك يكفّرون مرتكب الكبيرة ، ويحكمون عليه بالخلود في النار ، إذا لم يتب.
والمعتزلة ، مع أنّهم يرون العمل مقوّما للإيمان ، غير أنّهم لا يكفّرون تارك العمل ، ومرتكب الكبيرة ، بل يجعلونه في منزلة بين الإيمان والكفر ، والمكلف عندهم على ثلاثة حالات :
إيمان ، إذا قام بالتصديقين ، وعمل بالوظائف.
وكفر ، إذا فقد التصديق القلبي ، أو هو واللساني.
ومنزلة بين المنزلتين ، إذا قام بالتصديقين ، ولكن فقد العمل.
__________________
(١) الفصل ، ج ٣ ، ص ٢٠٦.
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) سورة الحجرات : الآية ١٤.
(٤) شرح الأصول الخمسة ، ص ١٣٩.