قبلنا ، وما إلى ذلك من القوانين والأصول الفقهية ، التي اضطرّ الفقهاء إلى اصطناعها عند ما طرأ على المجتمع الإسلامي ألوان جديدة من الحياة لم يألفوها ، ولم تكن النصوص الشرعية من الكتاب والسنّة لتشمل تلك المظاهر الاجتماعية المستحدثة بحكم ، ولم يجد الفقهاء بدّا من الالتجاء إلى إعمال الرأي والاجتهاد في مثل هذه المسائل ممّا لا نصّ فيه من كتاب أو سنّة ، وتشعبت بذلك مدارس الفقه الإسلامي ، وبعدت الشّقة بينها ، وتبلورت تلك المعاني إثر التضارب الفكري الذي حصل بين هذه المدارس ، وصيغت الأفكار في صيغ علمية محددة ، بعد ما كان يغلب عليها طابع التذبذب والارتباك.
وذلك كلّه يدلّ على عدم وفاء نصوص الكتاب والسنّة ، بما استجدّ للمسلمين بعد عصر الرسالة ، من مسائل ، أو ما جدّ لهم من حاجة.
وهناك نكتة تاريخية توقفنا على سرّ عدم إيفاء الكتاب والسنّة بمهمة التشريع ، وهي أنّ مدّة دعوته صلىاللهعليهوآله لا تتجاوز ثلاثا وعشرين عاما ، قضى منها ثلاث عشرة سنة في مكة يدعو المشركين فيها. ولكن عنادهم جعل نتائج الدعوة قليلة. فلأجل ذلك لم يتوفق لبيان حكم شرعي فرعي إلّا ما ندر. ومن هنا نجد أنّ الآيات التي نزلت في مكة تدور في الأغلب حول قضايا التوحيد والمعاد ، وإبطال الشرك ومقارعة الوثنية ، وغيرها من القضايا الاعتقادية ، حتى صار أكثر المفسّرين يميّزون الآيات المكيّة عن المدنية بهذا المعيار.
ولما انتهت دعوته إلى محاولة اغتياله ، هاجر إلى يثرب ، وأقام فيها العشرة المتبقية من دعوته تمكّن فيها من بيان قسم من الأحكام الشرعية لا كلّها ، وذلك لوجوه :
١ ـ إنّ تلك الفترة كانت مليئة بالحوادث والحروب ، لتآمر المشركين والكفّار ، المتواصل على الإسلام وصاحب رسالته والمؤمنين به. فقد اشترك النبي في سبع عشرة غزوة كان بعضها يستغرق قرابة شهر ، وبعث خمسا وخمسين سرية لقمع المؤمرات وإبطالها ، وصدّ التحركات العدوانية.
٢ ـ كانت إلى جانب هذه المشاكل ، مشكلة داخلية يثيرها المنافقون الذين