كانوا بمنزلة الطابور الخامس ، وكان لهم دور كبير في إثارة البلبلة في صفوف المسلمين ، وخلق المتاعب للقيادة من الداخل. وكانوا بذلك يفوّتون الكثير من وقت النبي الذي كان يمكن أن يصرف في تربية المسلمين وإعدادهم وتعليمهم على حلّ ما قد يطرأ على حياتهم ، أو يستجد في مستقبل الأيام.
٣ ـ إنّ مشكلة أهل الكتاب ، خصوصا اليهود ، كانت مشكلة داخلية ثانية ، بعد مشكلة المنافقين ، فقد فوّتوا من وقته الكثير ، بالمجادلات والمناظرات ، وقد تعرّض الذكر الحكيم لناحية منها ، وذكر قسم آخر منها في السيرة النبوية (١).
٤ ـ إنّ من الوظائف المهمة للنبي عقد الاتّفاقيات السياسية والمواثيق العسكرية الهامة التي يزخر بها تاريخ الدعوة الإسلامية (٢).
إنّ هذه الأمور ونظائرها ، عاقت النبي عن استيفاء مهمة التشريع.
على أنّه لو فرضنا تمكن النبي من بيان أحكام الموضوعات المستجدة ، غير أنّ التحدّث عن الموضوعات التي لم يعرف المسلمون شيئا من ماهياتها وتفاصيلها في عهد الرسول ، وإنّما كانت تحدث بصورة طبيعية شيئا فشيئا ، أمر صعب للغاية ، ولم يكن في وسع المسلمين أن يدركوا معناه.
فحاصل هذه الوجوه توقفنا على أمر محقق ، وهو أنّه لم يقدر للنبي استيفاء مهمة التشريع ، ولم يتسنّ للمسلمين أن يتعرّفوا على كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالحوادث والموضوعات المستجدة.
وأمّا في مجال ردّ الشبهات والتشكيكات وإجابة التساؤلات ، فقد حصل فراغ هائل بعد رحلة النبي من هذه الناحية ، فجاءت اليهود والنصارى تترى ، يطرحون الأسئلة ، ويشوّشون بها أفكار الأمّة ، ليخربوا عقائدها ومبادئها ، ونذكر من ذلك :
__________________
(١) لاحظ السيرة النبوية ، لابن هشام ، ج ١ ، ص ٥٣٠ ـ ٥٨٨ ، ط الحلبي ـ مصر ـ ١٣٧٥.
(٢) لاحظ كتاب الوثائق السياسية لمحمد حميد الله ، و «مكاتيب الرسول».