على القبائح المحتفة بما يوجد الندم في النفس دون الأخرى. ولو اشتركت جميع القبائح في قوة الدواعي اشتركت في وقوع الندم عليها جميعا ، ولم يصح الندم على البعض دون الآخر (١).
وهذا مما يلمسه الإنسان في حياة المجرمين ، فربما يحضر عاص أنديه الوعظ والإرشاد ، فيستمع إلى الخطيب ، يندد ببعض المعاصي كشرب الخمر ، وأكل الربا ، ويذكر قبحهما وشناعتهما ، وما يترتب عليهما من إشاعة البغضاء في المجتمع ، فيحصل في نفسه داع قوي يدفعه إلى ترك هذين القبيحين ، وفي الوقت نفسه قد لا يجد داعيا لترك غير هما من المعاصي التي اعتاد عليها ، كالغيبة لا لأنه لا يراها قبيحة ، بل لأنها لم تحتف بما يوجد داعي الندم في نفسه ، بخلاف الأولين. فجميعها ، إذن ، تشترك في القبح والشناعة ، غير أنّ الأوّلين يتميزان بوجود الداعي إلى التوبة عنهما فتاب ، دون الآخر.
وبذلك يظهر الجواب عما ذكره أبو هاشم من أنّه إذا كانت توبته عن بعض القبائح لأجل قبحها ، فهو موجود في البعض الآخر أيضا ، فلم تاب عن الأولى دون الأخرى؟.
وجه الجواب أنّ الكل يشترك في القبح ، لكن ترك البعض دون الآخر ، لا لأجل اعتقاده أنّ واحدا قبيح دون الآخر ، بل إنه يعتقد بقبحهما ، ولكن الداعي للتوبة موجود في أحدهما دون الآخر.
ولقد أحسن المحقق الطوسي ، حيث قال : التحقيق أنّ ترجيح الداعي إلى الندم على البعض يبعث عليه خاصة ، وإن اشترك الداعي في الندم على القبيح لقبحه ، كما في الدواعي إلى الفعل. ولو اشترك الترجيح ، اشترك وقوع الندم ، فلا يصح الندم (٢).
ومما يوضح ذلك أنّه لو أسلم يهودي ورجع عن كفره ، نادما على ما مضى من عمره ، ولكنه بقي مصرا على صغيرة من الصغائر ، فلو قلنا بأنّ التوبة من
__________________
(١) لاحظ كشف المراد ، ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ط صيدا.
(٢) كشف المراد ، ص ٢٦٥ ، ط صيدا.