فالآية خارجة عن الشفاعة المصطلحة بين علماء الكلام ، والقرائن الموجودة في نفس الآية تصدّنا عن حملها إلا على هذا القسم من الشفاعة ، وقد عرفت أنّ الشفاعة خلاف الوتر ، وأنّه يصح في صدقها ، انضمام شيء إلى شيء.
٢ ـ الشفاعة القيادية
والمراد من هذا الصنف هو قيام الأنبياء والأولياء والأئمة والعلماء ، والكتب السماوية مقام الشفيع ، والشفاعة للبشر لتخليصهم من عواقب أعمالهم وسيئات أفعالهم.
والفرق بين هذه الشفاعة والشفاعة المصطلحة أنّ الثانية توجب رفع العذاب عن العبد بعد استحقاقه له ، وهذه توجب أن لا يقع العبد في عداد العصاة ، حتى يستحق العقاب. فالأولى من قبيل الرفع ، والثانية من قبيل الدفع. وعلى ذلك فقيادة الأنبياء والأئمة ، تقوم مقام الشفيع والشفاعة في تجنيب العبد من الوقوع في المعاصي والمهالك.
فالشفاعة بهذا المعنى ، مثلها مثل الوقاية في الطبابة ، كما أنّ الشفاعة المصطلحة مثلها مثل المداواة بعد إصابة المرض.
وليس إطلاق الشفاعة بهذا المعنى إطلاقا مجازيا ، كيف وقد شهد بذلك القرآن والأخبار.
قال سبحانه : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ ، لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١).
والضمير المجرور في (بِهِ) يرجع إلى القرآن ، ومن المعلوم أنّ ظرف شفاعة القرآن ، هو الحياة الدنيوية. فإن هدايته تتحقق فيها ، وإن كانت نتائجها تظهر في الحياة الأخروية ، فمن عمل بالقرآن قاده إلى الجنة.
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ٥١.