عليها بالعنف. فإذا اختلف الجرمان ، اختلف المجرمان من حيث النفسانيات والروحيات. وهناك مجرم قد حافظ على روابطه الإيمانية مع الله ، وعلى علاقاته الروحية مع الشفيع ، بحيث لا يعد المجرم غريبا عن كلا المقامين ، ومجرم قد قطع كلتا العلاقتين ، وصار أجنبيا عنهما ، فتشريع الشفاعة في حقّ الأول دون الثاني ، لا يعدّ تفريقا في القانون.
والذي يوضح ذلك أنّ الله سبحانه فرّق بين الذنوب ، فقال بأنّ الشرك لا يغفر ، إلّا مع التوبة ، وأما غيره فيغفر وإن لم تقع التوبة.
قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (١).
وأنت إذا أحطت بما ورد حول الذنوب من العقوبات المختلفة وتقسيمها إلى كبائر وصغائر ، تقف على أنّ قبول الشفاعة ، في حق بعض دون بعض ، ليس ترجيحا بلا مرجّح.
الإشكال الثاني :
إنّ تشريع الشفاعة يجرّ إلى التمادي في العصيان ، واستمرار المجرم في عدوانه ، رجاء غفران ذنوبه بالشفاعة (٢).
والجواب ، أما نقضا :
فبالوعد بالمغفرة ، مع التوبة ، بل حتى مع عدمها ، قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) ، فلو كانت الشفاعة موجبة للتمادي ، فليكن الوعد بالمغفرة مع التوبة بل مع عدمها في غير الشرك موجبا للتمادي ، أيضا. فالجواب هنا ، هو الجواب هناك.
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٤٨.
(٢) دائرة المعارف ، لفريد وجدي ، ج ٥ ، ص ٤٠٢.