وأما حلا
فالإشكال ينبع من تصوّر خاطئ وهو اعتقاد كون الشفاعة مطلقة غير مشروطة بشيء ، فيكون للإنسان عند ذاك أن يفعل ما يريد تعويلا عليها. ولكنك عرفت أنّ الشفاعة محدودة ، وتشمل بعض العباد ، وهم الذين لم تنقطع علاقاتهم بالله سبحانه وبأوليائه ، ومثل هذه الشفاعة لا تبعث على الجرأة ، بل تبعث عملا في نفس العاصي ، وتدفعه إلى الاحتفاظ بعلاقته ولا ينسفها من رأس.
إن الشفاعة التي نطق لها القرآن ، ليست أمرا مطلقا من كل قيد وشرط ، فإنّ الشفاعة مقيّدة بإذنه سبحانه أوّلا ، وكون المشفوع له مرضيا عند الله ثانيا ، وليس من الممكن أن يذعن المجرم بأنّه ممن يشمله أذنه سبحانه ورضاه.
قال سبحانه : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (١).
وقال سبحانه : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٢).
فليس في وسع أحد أن يدّعي أنّه من العباد المرضيين ، ثم يعتمد على ادّعائه ويتمادى في العصيان.
وهناك وجه آخر لكون الشفاعة محدودة ، وهو إبهامها من حيث الجرم ، فلا يعلم أي جرم تشمله الشفاعة وأيّه لا تشمله. كما أنها مبهمة من حيث وقت القيامة ، فللعصاة والطغاة مواقف مختلفة ، وهي مواقف رهيبة ومخيفة تهز القلوب ، ولم يعين وقت الشفاعة.
وهذا الإبهامات الثلاثة ، تصد المجرم عن الاعتماد على الشفاعة ليتمادى في المعصية ، وغاية ما يمكن أن يقال في الشفاعة أنّها بصيص من الرجاء ، ونافذة من الأمل فتحها القرآن في وجه العصاة حتى لا ييأسوا من روح الله.
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٥٥.
(٢) سورة الأنبياء : الآية ٢٨.