وما يستتبع ذلك العذاب من الصفاء في روحه ، ومجردا عن دعاء الشفيع في حقه ، محكوم بالعقاب. ولكنه ـ منضما إلى الضمائم الثلاث ـ محكوم بالمغفرة.
وعلى ضوء هذا ، يتبين أنّ الشفاعة لا توجب اختلافا في علمه وتغييرا في إرادته ، كما لا توجب أن يكون أحد الحكمين مطابقا للعدل والآخر مطابقا للجور ، بل الحكمان صدرا من الأزل ، على موضوعين مختلفين ، من مصدر العدل ، تبارك وتعالى.
الإشكال الرابع :
ليس في القرآن نص قطعي على وقوع الشفاعة وإنما ورد الحديث بإثباتها (١).
ولعل نظر المستشكل إلى أنّ الشفاعة مقيدة بإذنه سبحانه وارتضائه ، ولا دليل على أنه يأذن ويرتضي ، فهو ممكن لا دليل على وقوعه.
والجواب :
إن البحث عن الإمكان والامتناع يناسب المسائل الفلسفية والكلامية البحتة ، وأما المسائل التربوية ، كالشفاعة ، فالوعد بها ، مقيّدا بالإذن ، والارتضاء ، لا يهدف إلا إلى وقوعها في ذلك الإطار ، لا إمكانها فيه ، وذلك مثل قوله سبحانه : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٢) وقوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٣).
على أن هناك قرائن تدل على وقوع الاستثناء وتحققه ، منها :
١ ـ أنّه سبحانه عبّر عن رضاه ، بالجملة الماضية ، وقال : (وَلا يَشْفَعُونَ
__________________
(١) المنار ، ج ٧ ، ص ٣٧٠.
(٢) سورة يونس : الآية ١٠٠.
(٣) سورة آل عمران : الآية ١٤٥.