١ ـ وجوبهما عقلي أو شرعي
هل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، عقلا ، أو لا يجبان إلا شرعا؟
القائلون بوجوب اللطف المقرّب يلزمهما القول بوجوبهما عقلا ، لأنّ اللطف ليس إلا تقريب العباد إلى الطاعة وإبعادهم عن المعصية. ومن أوضح ما يحقّق تلك الغاية هو الأمر بالمعروف بعامة مراتبه.
وأورد عليه المحقق الطوسي ما هذا توضيحه :
لو وجبا عقلا على الله تعالى ، فإنّ كل واجب عقلي ، يجب على كل من حصل في حقه وجه الوجوب ، ولو وجب عليه تعالى لكان إما فاعلا لهما ، فكان يلزم وقوع المعروف قطعا ، لأنه تعالى يحمل المكلفين عليه ، وانتفاء المنكر لأنه تعالى يمنع المكلفين عنه ، وهذا خلاف ما هو الواقع في الخارج ، وإما غير فاعل لهما ، فيكون مخلا بالواجب ، وذلك محال ، لما ثبت من حكمته تعالى.
وإلى هذا المعنى أشار هذا المحقق بقوله : «لو كانا واجبين عقلا لزم ما هو خلاف الواقع ، أو الإخلال بحكمته سبحانه» (١).
يلاحظ عليه : إنّ وجوبهما عقلا لا يلازم وجوبهما على الله سبحانه بعامة مراتبهما ، لأنه لو وجب عليه كذلك يلزم الإخلال بالغرض وإبطال التكليف ، وهذا يصد العقل عن إيجابهما على الله سبحانه فيما لو استلزم الإلجاء ، فيكتفى فيهما ببعض المراتب ، كالتبليغ والإنذار مما لا ينافي حرية التكليف ، وهما متحققان.
وإلى ما ذكرنا يشير شيخنا الشهيد الثاني بقوله : «لاستلزام القيام به على هذا الوجه (من وجوبه قولا وفعلا) الإلجاء الممتنع في التكليف ، ويجوز اختلاف الواجب باختلاف محالّه ، خصوصا مع ظهور المانع ، فيكون الواجب في حقه تعالى الإنذار والتخويف بالمخالفة لئلا يبطل التكليف. والمفروض أنّه قد فعل» (٢).
__________________
(١) كشف المراد ، ص ٢٧١ ، ط صيدا.
(٢) الروضة البهية ، ج ١ ، كتاب الجهاد ، الفصل الخامس ، ص ٢٦٢ ، الطبعة الحجرية.