الجواب
إنّ الفرق بين النبوّة ، واحتضان علوم النبي الأكرم ، واضح ، لا يحتاج إلى البيان ، فإنّ مقوم النبوّة عبارة عن كون النبي طرفا للوحي ، يسمع كلام الله تعالى ، ويرى رسوله ، ويكون صاحب شريعة مستقلة ، أو مروجا لشريعة من قبله.
وأمّا الإمام فهو الخازن لعلوم النبوة في كل ما تحتاج إليه الأمّة ، من دون أن يكون طرفا للوحي ، أو سامعا كلامه سبحانه ، أو رائيا الملك الحامل له.
نعم ، المهم هو الوقوف على أنّ في وسعه سبحانه أن يربي للأمّة ، في حضن النبي الأكرم ، رجلا مثاليا يأخذ علوم النبي بتعليم غيبي يفي بوظائف الرسالة بعد رحلته ، حتى يسدّ الفراغات العلمية الحاصلة برحلته.
وبما أنّ المستشكل ، ومن تبعه ، بريئون من هذه المعارف ، ويخصّون التعليم ، بالوسائل العادية ، يتعجبون من بلوغ إنسان ذلك الحدّ من الكمال والعلم ، من دون أن يدخل مدرسة ، أو يخضع أمام شيخ ، إلّا أن يكون نبيّا.
وإنّ القرآن الكريم يحدّثنا عن أناس مثاليين نالوا الذروة من العلوم بتعليم غيبي ، مع أنّهم لم يكونوا أنبياء ، كمصاحب موسى عليهالسلام الذي يقول سبحانه في شأنه : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا ، آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا ، وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (١).
ولم يكن المصاحب نبيّا ، بل كان وليّا من أولياء الله سبحانه ، بلغ الذّروة من العلم ، حتى قال له موسى ـ وهو نبي مبعوث بشريعة : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً)؟ (٢).
وجليس سليمان عليهالسلام ، الّذي يقول سبحانه في شأنه : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ، فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا
__________________
(١) سورة الكهف : الآية ٦٥.
(٢) سورة الكهف : الآية ٦٦.