وثانيا : لم يدل دليل على أن بدن الإنسان كنفس البدن الدنيوي في الحجم والوزن وسائر الجهات المادية ، بل يكفي أن يصدق على المعاد أنه نفس المبتدأ وأما المطابقة في سائر الجهات فلم يدل عليها دليل.
وثالثا : لو فرض عدم كفاية المواد الترابية لإحياء جميع من قطنوا هذا الكوكب ، فلا مانع من تكميلها بتراب الكرات الأخرى ، وليس ذلك على خلاف العدل ، لما عرفت من أنّ الثواب والعقاب بملاك الروح والنفس ، فالنفس الإنسانية إذا أدخلت في أي بدن كان ، وحشرت مع أي جسم إنساني ، فهو هو ، وليس غيره ، وإنما يكون البدن أداة ووسيلة لتعذيبه ، وتنعيمه ، ولو لا دلالة القرآن على أنّ المعاد في الآخرة عنصري ، لكان العقل مكتفيا بإعادة الروح والنفس غير أنّ إصرار الذكر الحكيم ، على كون المعاد عنصريا ، يصده عن الاكتفاء بالمعاد الروحاني.
وعلى ضوء ذلك ، فلو كانت المواد الأرضية غير كافية لإحياء كل من سكن هذا الكوكب ، فلا مانع من تكميل بدن كل إنسان بمواد من كواكب أخرى.
هذه الأجوبة ، أجوبة عقلية ، وهناك أجوبة أخرى تعتمد على التجربة والدليل العلمي.
الجهة الثانية : الجواب العلمي ، وهو أمور :
إن ما ذكروه من عدم كفاية تراب الأرض لإحياء الناس باطل بالنظر إلى حجم المواد الأرضية وذلك لأن حجم الكرة الأرضية يبلغ ألفا وثلاثة وثمانين مليارا ، وثلاثمائة وعشرين مليون كيلومتر مكعب (١) ، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى إنّ صندوقا بحجم كيلومتر مكعب ، بمعنى أنّ كلا من طوله وعرضه وارتفاعه يبلغ كيلومترا واحدا ، إنّ مثل هذا الصندوق يسع داخله لأضعاف عدد سكان الأرض الحاليين (٢).
__________________
(١) ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٣٢٠ ، ٠٨٣ ، ١.
(٢) دلّت الإحصاءات الأخيرة أنّ عدد سكان الأرض حاليا يبلغ قرابة خمسة مليارات إنسان.